للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والطير معه وصنعة اللبوس، وإلانة الحديد وغيرها، وعلى والدتي بتشايع بنت اليائن، كانت امرأة أوريا التي امتحن بها داود؛ وهي امرأة مسلمة زاكية طاهرة، وهي التي قالت له: يا بني لا تكثرن النوم بالليل، فإنه يدع الرجل فقيرًا يوم القيامة، كذا في "كشف الأسرار".

قال ابن قتيبة (١): معنى {أَوْزِعْنِي}: ألهمني، وأصل الإيزاع: الإغراء بالشيء، يقال: أوزعته بكذا؛ أي: أغريته به، وهو موزع بكذا، مولع بكذا. وقال الزجاج: تأويله في اللغة: كفني عن الأشياء، إلا عن شكر نعمتك. والمعنى: كفني عما يباعدني منك.

{و} ألهمني {وَأَنْ أَعْمَلَ} عملًا {صَالِحًا} أي: مخلصًا لوجهك {تَرْضَاهُ}؛ أي: تقبله منى قيد العمل الصالح بذلك؛ لأن العمل الصالح قد لا يرضاه المنعم لنقص في العامل، كما قيل:

إِذَا كَانَ الْمُحِبُّ قَلِيْلَ حَظٍّ ... فَمَا حَسَنَاتُهُ إِلَّا ذُنُوْبُ

{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ} وفضلك {فِي} زمرة {عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} إبراهيم إسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين، كما قاله ابن عباس؛ لأن الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله تعالى، ولا يهم بمعصية؛ أي: أثبت اسمي في أسمائهم، واحشرني في زمرتهم. وقيل: أدخلني الجنة برحمتك؛ لأنه لا يدخل الجنة أحد إلا بالرحمة والفضل، لا بالعمل مع عبادك الصالحين؛ أي: الكاملين في الصلاح. قال المفسرون: إنما شكر الله عز وجل؛ لأن الريح أبلغت إليه صوتها ففهم ذلك.

فإن قيل (٢): درجات الأنبياء أفضل من درجات الصالحين، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين، وقد تمنى يوسف عليه السلام ذلك بقوله: {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}؟


(١) زاد المسير.
(٢) الفتوحات.