للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{أَمَّ} أدغمت في ميم {مَّنْ}، وقرأ الأعمش بتخفيفها جعلها همزة الاستفهام أدخلت على {مَّنْ}، و {مَّنْ} في القراءتين مبتدأ، خبره محذوف، وقوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ} معطوف على صلة {مَّنْ} الموصولة؛ أي: ومن أنزل لأجل منفعتكم {مِنَ السَّمَاءِ} أي: من السحابـ {ماء} أي نوعًا منه هو المطر.

ثم (١) عدل على الغيبة إلى التكلم لتأكيد الاختصاص بذاته فقال: {فَأَنْبَتْنَا بِهِ} بِهِ؛ أي: بسبب ذلك الماء {حَدَائِقَ}؛ أي: بساتين محدقة ومحاطة بالحوائط، من الإحداق وهو الإحاطة، قال الفراء: الحديقة البستان الذي عليه حائط، فإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة، وقال قتادة وعكرمة: الحدائق النخل، وقوله: {ذَاتَ بَهْجَةٍ} صفة لحدائق، ولم يقل (٢): ذوات بهجة على الجمع؛ لأن المعنى جماعة حدائق؛ أي: صاحبة حسن ورونق يبتهج ويسر به النظار، والبهجة هي الحسن الذي يبتهج به من رآه.

وقرأ الجمهور: {ذَاتَ} بالإفراد، {بَهْجَةٍ} بسكون الهاء، وجمع التكسير يجري في الوصف مجرى الواحدة، كقوله: {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} وهو على معنى جماعة، وقرأ ابن أبي عبلة: {ذوات} بالجمع، {بهجة} بتحريك الهاء بالفتح، ذكره أبو حيان.

{مَا كَانَ لَكُمْ}؛ أي: ما صح وما أمكن لكم {أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا}؛ أي: شجر الحدائق فضلًا عن ثمرها؛ أي: ما كان لكم مقدرة على أن تنبتوا شجر البساتين فضلًا عن ثمرها، وسائر صفاتها البديعة، ومعنى (٣) هذا النفي الحظر والمنع من فعل هذا؛ أي: ما كان للبشر ولا يتهيأُ لهم ذلك، ولا يدخل تحت مقدرتهم، لعجزهم عن إخراج الشيء من العدم إلى الوجود.

والمعنى (٤): أي أعبادة ما تعبدون أيها المشركون من أوثانكم التي لا تضر ولا تنفع خير أم عبادة من خلق السموات على ارتفاعها وصفائها، وجعل فيها


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.