تفرّق الصحابة في البلدان، واشتدّ الأمر في ذلك، وعظم اختلافهم، وتشبّههم، ووقع بين أهل الشام، والعراق، ما ذكره حذيفة - رضي الله عنه - وذلك: أنّهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كلّ طائفة بما روي لها، فاختلفوا، وتنازعوا، وأظهر بعضهم إكفار بعض، والبراءة منه، وتلاعنوا، فأشفق ممّا رأى منهم، فلمّا قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاريّ، والترمذيّ، دخل إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته فقال:(أدرك هذه الأمّة قبل أن تهلك قال: فيما ذا؟ قال: في كتاب الله. إنّي حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسا من العراق، والشّام، والحجاز، فوصف له ما تقدّم، وقال: إنّي أخشى عليهم، أن يختلفوا في كتابهم، كما اختلف اليهود والنصارى).
قلت: وهذا أدلّ دليل على بطلان قول من قال: إنّ المراد بالأحرف السبعة قراءات القرّاء السبعة؛ لأنّ الحقّ لا يختلف فيه.
وقد روى سويد بن غفلة، عن علي بن أبي طالب: أنّ عثمان قال: (ما ترون في المصاحف، فإنّ الناس قد اختلفوا في القراءة، حتى إنّ الرجل ليقول: إنّ قراءتي خير من قراءتك، وقراءتي أفضل من قراءتك، وهذا شبيه بالكفر). قلنا: ما الرّأي عندك؟ يا أمير المؤمنين قال:(الرّأي عندي: أن يجتمع الناس على قراءة، فإنّكم إذا اختلفتم اليوم، كان من بعدكم أشدّ اختلافا. قلنا: الرّأي رأيك يا أمير المؤمنين!) فأرسل عثمان إلى حفصة (أنّ أرسلي إلينا بالصّحف، ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك) فأرسلت بها