ثم جملة محذوفة؛ أي ووضعت موسى أمه في زمن الذبح، وخافت عليه، وأوحينا إليها أن أرضعيه، و {أَنْ} في {أَنْ أَرْضِعِيهِ} مفسرة؛ لأن في الوحي معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية؛ أي: بأن أرضعيه، وقرأ عمرو بن عبد الواحد وعمر بن عبد العزيز {أن أرضعيه} بكسر نون {أن} ووصل همزة {أَرْضِعِيهِ}، فالكسر لالتقاء الساكنين، وحُذفت همزة الوصل على غير القياس؛ لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة، وهي الفتحة إلى النون، كقراءة ورش.
{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ}؛ أي: على موسى من جواسيس فرعون ونقبائه، الذين يقتلون أولاد بني إسرائيل اتباعًا لأمره، أو من الجيران أن ينمُّوا عليه إذا سمعوا صوته {فَأَلْقِيهِ}؛ أي: فألقي موسى {فِي الْيَمِّ} أي: في بحر النيل؛ أي: فاطرحيه في التابوت، والتابوت في البحر، وقد تقدم بيان الكيفية التي ألقته في اليم عليها في سورة طه، {وَلَا تَخَافِي}؛ أي: من غرقه وضياعه، ومن التقاطه فيُقتل {وَلَا تَحْزَنِي} لفراقه إياك.
رُوي: أن دارها كانت على الشاطىء، فاتخذت تابوتًا مطليًا بالقار، ومهَّدت فيه مهدًا، وألقته في النيل، وليس هناك من دليل على الزمن الذي قضته بين الولادة والإلقاء في اليم.
ثم وعدها سبحانه بما يسلِّيها، ويطمئن قلبها، ويملؤه غبطة وسرورًا، وهو رده إليها، وجعله رسولًا نبيًا، فقال:{إِنَّا رَادُّوهُ}؛ أي: رادو ولدك {إِلَيْكِ} عن قريب، لتكوني أنت المرضعة له، {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى فرعون وقومه؛ أي: وباعثوه رسولًا إلى هذا الطاغية، وجاعلو هلاكه ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه.
وهذه الآية هي من معجزات الإيجاز، لأنها اشتملت على أمرين:{أَرْضِعِيهِ}{أَلْقِيهِ}، ونهيين {وَلَا تَخَافِي}{وَلَا تَحْزَنِي} وخبرين، {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}{وَجَاعِلُوهُ} وبشارتين في ضمن الخبرين، وهما الرد والجعل من المرسلين، حُكي عن الأصمعي قال: سمعت أعرابية تُنشد: