لينفعني اليوم حبك إياي، فجلست القابلة تعالجها، فلما نزل موسى إلى الأرض هالها نور بين عينيه فارتعش كل مفصل منها، ودخل حب موسى قلبها فقالت: يا هذه ما جئتك إلا لقتل مولودك، ولكني وجدت لابنك هذا حبًا شديدًا، فاحفظي ابنك، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاء إلى بابها ليدخل على أم موسى، فقالت أخته: يا أماه هذا الحارس بالباب، فلفته بخرقة ووضعته في تنور مسجور، فطاش عقلها، فلم تعقل ما تصنع فدخل، فإذا التنور مسجور، ورأى أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن، فقال: لِمَ دخلَتْ القابلة عليك؟ قالت: إنها حبيبة لي، دخلت للزيارة، فخرج من عندها فرجع إليها عقلها، فقالت لأخت موسى: أين الصبي؟ قالت: لا أدري، فسمعت بكاءً في التنور، فانطلقت إليه، وقد جعل الله النار عليه بردًا وسلامًا، فأخذته، ثم إن أم موسى عليه السلام لما رأت جد فرعون في طلب الولد خافت على ابنها فقذف الله في قلبها أن تتخذ له تابوتًا، ثم تقذف التابوت في النيل، فذهبت إلى نجار من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتًا صغيرًا طوله خمسة أشبار وعرضه كذلك، فقال لها: ما تصنعين به؛ فقالت: لي ابن أخبؤه فيه، فلما انصرفت ذهب النجار إلى الذباحين ليخبرهم بذلك، فلما جاءهم أمسك الله لسانه، وجعل يشير بيده فضربوه، وطردوه، فلما عاد إلى موضعه رد الله عليه نطقه، فذهب مرة أخرى ليخبرهم، فأخذ الله لسانه وبصره، فجعل لله تعالى إنه إن رد عليه بصره ولسانه لا يدلهم عليه، فعلم الله تعالى منه الصدق، فرد الله عليه ذلك، وانطلقت أم موسى وألقته في النيل، وكان لفرعون بنت لم يكن له ولد غيرها، وكان بها برص شديد، وكان فرعون قد شاور الأطباء والسحرة في أمرها، فقالوا: أيها الملك لا تبرأ هذه إلا من قبل البحر، يوجد منه شبه الإنسان، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها، فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا، في شهر كذا، حين تشرق الشمس، فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون إلى مجلس له كان على شفير النيل، ومعه امرأته آسية بنت مزاحم، وأقبلت بنت فرعون في جواريها، حتى جلست على شاطىء النيل، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج، وتعلق بشجرة، فقال: ائتوني به، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه، فعالجوا فتح الباب، فلم