للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدهشة بشعاع يده مرة أخرى أمره ربه أن يضع يده على صدره، ليزول ما به من الخوف، فقال: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}؛ أي: وضع يدك على صدرك يذهب ما بك من خوف، كما يشاهد من حال الطائر، إذا خاف نشر جناحيه، وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه، وكان موسى يرتعد خوفًا، إما من آل فرعون، وإما من الثعبان، قال ابن عباس: كل خائف إذا وضع يده على صدره زال خوفه.

وعبارة أبي حيان: ومعنى قوله: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وقوله: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} على أحد التفسيرين واحد، ولكن خولف بين العبارتين، وإنما كرر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين، وذلك أن الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء، وفي الثاني إخفاء الرهب.

فإن قلت: قد جعل الجناح - وهو اليد في أحد الموضعين - مضمومًا، وفي الآخر مضمومًا إليه، وذلك قوله هنا: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وفي طه: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} فما التوفيق بينهما؟.

قلت: المراد بالجناح المضموم هو اليد اليمنى، وبالمضموم إليه اليد اليسرى، وكل واحد من يمنى اليدين ويسراهما جناح.

وقرأ الحرميان نافع وابن كثير وأبو عمرو (١): {من الرَهَب} بفتح الراء والهاء، وحفص: بفتح الراء وسكون الهاء، وباقي السبعة: بضم الراء وإسكان الهاء، وقرأ قتادة والحسن وعيسى والجحدري بضمهما، وقال بعض أهل المعاني: الرَّهْبُ الكُمُّ، بلغة حمير وبني حنيفة، قال الأصمعي: سمعت أعرابيًا يقول لآخر: أعطني ما في رهبك، فسألته عن الرهب، فقال: الكم، فعلى هذا يكون معناه: أضمم إليك يدك، وأخرجها من الكم، ذكره الشوكاني.

والإشارة في قوله (٢): {فَذَانِكَ} إلى العصا واليد، وهما مؤنثان، ولكن ذكِّرا لتذكير الخبر، كما أنه قد يؤنث المذكر لتأنيث الخبر، كقراءة من قرأ {ثم


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.