للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} ومعنى (١) الكلية الكثرة، والجملة صفة أخرى لحرمًا، دافعة لما عسى يُتوهم أو تضررهم بانقطاع الميرة، وهو الطعام المجلوب أو بلد إلى بلد.

وقرأ الجمهور (٢): {يُجْبَى} بالتحتية اعتبارًا بتذكير كل شيء، ووجود الفاصل بين الفعل وثمرات، وأيضًا ليس تأنيث ثمرات بحقيقي، واختار قراءة الجمهور أبي عبيد لما ذكرنا، وقرأ نافع وجماعة عز يعقوب وأبو حاتم عز عاصم: {تُجبى} بالتاء الفوقية اعتبارًا بثمرات، وقرأ (٣) الجمهور أيضًا: {ثَمَرات} بفتحتين، وقرأ أبان بن تغلب: بضمتين، جمع ثُمُر بضمتين، وقرأ بعضهم: {ثمرات} بفتح الثاء لاسكان الميم، وانتصاب {رِزْقًا} على أنه مصدر مؤكد لمعنى يُجبى؛ لأن فيه معنى يرزق؛ أي: يرزقون رزقًا.

{مِنْ لَدُنَّا}؛ أي: من عندنا، لا أو عند المخلوقات، فإذا كان حالهم هذا، وهم عبدة الأصنام، فكيف يخافون التخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} بأن ذلك الرزق هو أو عندنا، أي: أكثر أهل مكة جهلة، لا يتفطنون له ولا يتفكرون، ليعلموا ذلك لفرط جهلهم ومزيد غفلتهم، وعدًا تفكرهم في أمر معادهم ورشادهم، لكونهم ممن طبع الله على قلبه، وجعل على بصره غشاوة.

وحاصل المعنى: أي إن ما اعتذرتم به لا يصلح أو يكون عذرًا؛ لأنا جعلناكم في بلد أمين، وحرم معظَّم منذ وجد، فكيف يكون هذا الحرم آمنًا لكم حال كفركم وشرككم، ولا يكون أمنًا لكم وقد أسلمتم، واتبعتم الحق.

قال يحيى بن سلام: يقبل سبحانه: كنتم آمنين في حرمي، تأكلون رزقي، وتعبدون غيري، أفتخافون إذ عبدتموني، وآمنتم بي، وقد تفضل عليكم ربكم،


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.