{هَاتُوا} أي: جيبوا، وأصله آتوا {بُرْهَانَكُمْ}؛ أي: حجتكم ودليلكم على صحة ما ادعيتموه من أن معي شركاء مع إعذار الرسل إليكم، وإقامة الحجج عليكم، فعند ذلك خرسوا عن إقامة الحجة، فلم يجيبوا جوابًا، وأيقنوا حينئذٍ بعذاب دائم ونار تتلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى، وحينئذ يستبين لهم خطأ ما كانوا يفعلون، كما قال:{فَعَلِمُوا} وأيقنوا يومئذ {أَنَّ الْحَقَّ} في الألوهية {لِلَّهِ} وحده، لا يشاركه فيها أحد، {وَضَلَّ}؛ أي: غاب {عَنْهُمْ} غيبة الضائع، وذهب وبطل {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}؛ أي: كانوا يختلقونه في الدنيا من الكذب بأن لله شركاء، يستحقون العبادة معه، وهم الأصنام والطواغيت، ولم ينتفعوا بعبادتهم.
قال بعضهم: واعلم أن الشركاء لا تنحصر في الأصنام الظاهرة، بل الأنداد ظاهرة وباطنة، فمنهم من صنمه نفسه، ومن صنمه زوجته، حيث يحبها محبة الله، ويطيعها إطاعة الله، ومنهم من صنمه تجارته، فيتكل عليها، ويترك طاعة الله لأجلها، فهذه كلها لا تنفع يوم القيامة.
حكي: أن مالك بن دينار رحمه الله تعالى كان إذا قرأ في الصلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} غشي عليه، فسئل فقال: نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ونعبد أنفسنا؛ أي: نطيعها في أمرها، ونقول:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ونرجع إلى أبواب غيره.
روي: أن زكريا عليه السلام لما هرب من اليهود بعد أن قُتل يحيى عليه السلام وتوابعه ورائه تمثل له الشيطان في صورة الراعي، وأشار إليه بدخول الشجرة، فقال زكريا للشجرة: أكتميني فانشقت فدخل فيها، وأخرج الشيطان هدب ردائه، ثم أخبر به اليهود، فشقوا الشجرة بالمنشار، فهذا الشق إنما وقع له لالتجائه إلى الشجرة. واعلم أن الشرك أقبح جميع السيئات وأساسها، كما أن التوحيد أحسن جميع الحسنات وأساسها.