وجعل موسى يداريه لما بينهما من القرابة، وهو لا يلتفت إليه، بل يؤذيه، ولا يزيد إلا تجبرًا وبغيًا.
وقال قتادة: بغيه بنسبته ما آتاه الله من المال إلى نفسه لعلمه وحيلته، وقيل: كان عاملًا لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم، وقيل: كان بغيه بغير ذلك، مما لا يناسب معنى الآية.
ثم ذكر سبب بغيه وعتوه بقوله:{وَآتَيْنَاهُ}؛ أي: وأعطينا قارون {مِنَ الْكُنُوزِ}؛ أي: من الأموال المدخرة {مَا} موصولة بمعنى الذي، وهي في محل النصب على أنها ثاني مفعولي آتينا؛ أي: أعطيناه من الأموال المدَّخرة المال الكثير الذي {إِنَّ مَفَاتِحَهُ}؛ أي: إن مفاتح صنادقه {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}؛ أي: لتثقل على الجماعة الكثيرة {أُولِي الْقُوَّةِ}؛ أي: أصحاب القوة؛ أي: لتثقلهم وتميل بهم إذا حملوها لثقلها؛ أي: وأعطينا قارون المال المذخور، الذي يثقل حمل مفاتيح خزائنه على العدد الكثير من أقوياء الناس، قال أبو حيان: ذكروا من كثرة مفاتحه ما هو كذب أو يقارب الكذب فلم أكتبه.
قيل: كان قارون أينما ذهب يحمل معه مفاتح كنوزه، وكانت من حديد، فلما ثقلت عليه جعلها من خشب، فثقلت عليه، فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع، روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن مفاتح خزائنه كان يحملها أربعون رجلًا من الأقوياء، وكانت أربع مئة ألف، يحمل كل رجل عشرة آلاف، ولا شك أن مثل هذا التحديد يحتاج إلى سند قوي يعسر الوصول إليه، ومثل هذا الأسلوب يدل على إرادة الكثرة دون تحديد شيء معين.
وقرأ الأعمش (١)؛ {مفاتيحه} بياء جمع مفتاح، وقرأ بديل بن ميسرة:{ما إن مفتاحه} بالإفراد، وقرأ أيضًا:{لينوء} بالياء التحتانية، وضمير الفاعل يعود على المفتاح، وقال أبو مسلم: المراد من المفاتح العلم والإحاطة، كقوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}، والمعنى حينئذٍ: وآتيناه من الكنوز ما إن حفظها والاطلاع