أي: إنه تعالى حين أراد عقابهم لا يسألهم عن مقدار ذنوبهم، ولا عن كنهها؛ لأنه عليم بها، ولا يعاتبهم عليها، كما قال تعالى:{فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}، وقال:{وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}، ونحو الآية قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (٣٩)} وهذا لا يمنع أنهم يسألون سؤال تقريع وإهانة، كما جاء في قوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)}.
وقرأ الجمهور (١): {وَلَا يُسْأَلُ} مبنيًا للمفعول، و {الْمُجْرِمُونَ} رُفع به، وهو متصل بما قبله، قاله محمد بن كعب، والضمير في {ذُنُوبِهِمُ} عائد على من أُهلك من القرون؛ أي: لا يسأل غيرهم ممن أجرم، ولا ممن لم يجرم عمن أهلكه الله، بل كل نفس بما كسبت رهينة، وقيل: هو مستأنف مسوق لبيان حال يوم القيامة، قال قتادة: لا يُسألون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها؛ لأنهم يدخلون النار بغير حساب، وقال قتادة أيضًا ومجاهد: لا تسألهم الملائكة عن ذنوبهم، لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه، كقوله:{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}.
وقرأ أبو جعفر في روايته:{ولا تسأل} بالتاء والجزم {المجرمين} بالنصب، وقرأ ابن سيرين وأبو العالية كذلك في:{ولا تسأل} على النهي للمخاطب، وكان ابن أبي إسحاق لا يجوِّز ذلك إلا أن يكون المجرمين بالياء في محل النصب بوقوع الفعل عليه، قال صاحب "اللوامح": فالظاهر ما قاله، ولم يبلغني في نصب المجرمين شيء، فإن تركناه على رفعه فله وجهان:
أحدهما: أن يكون هاء الضمير في {عَنْ ذُنُوبِهِمُ} عائدة إلى ما تقدم من القرون، وارتفاع المجرمين بإضمار المبتدأ، تقديره: هم المجرمون، أو أولئك المجرمون، ومثله التائبون العابدون في سورة التوبة.
والثاني: أن يكون بدلًا من أصل الهاء {ذُنُوبِهِمُ} لأنها وإن كانت في محل الجر بالإضافة إليها فإن أصلها الرفع؛ لأن الإضافة إليها بمنزلة إضافة