للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

- يمزقها - وإن أحدهم كان ليفرح بالبلاء، كما يفرح أحدكم بالرخاء"، ونحو الآية قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}.

{فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} سبحانه وتعالى بالامتحان {الَّذِينَ صَدَقُوا} في قولهم آمنا {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} منهم في ذلك، ومعنى (١): علمه تعالى: وهو عالم بذلك، فيما لم يزل أن يعلمه موجودًا عند وجوده، كما علمه قبل وجوده أنه يوجد، والمعنى (٢): وليتميزن الصادق منهم من الكاذب، والمعنى: فوالله ليتعلقن علمه تعالى بالامتحان، تعلقًا حاليًا، يتميز به الذين صدقوا في الإيمان بالله، والذين هم كاذبون فيه مستمرون على الكذب، ويرتب عليهم أجزيتهم من الثواب والعقاب، ولذلك قيل المعنى: ليميزن أو ليجازين يعني: أن بعضهم فسر العلم بالتمييز والمجازاة على طريق إطلاق السبب وإرادة المسبب، فإن المراد بالعلم تعلقه الحالي الذي هو سبب لهما.

قال ابن عطاء: يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء، فمن شكر في أيام الرخاء، وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين، ومن بطر في أيام الرخاء، وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين، اهـ.

واعلم: أن البلاء كالملح، يصلح وجود الإنسان بإذن الله تعالى، كما أن الملح يصلح الطعام، وإذا أحب الله عبدًا جعله للبلاء عرضًا - أي: هَدَفًا - وكل محنة مقدمة لراحة، ولكل شدة نتيجة شريفة.

أي: وليظهرن الله سبحانه (٣)، الصادقين منهم في إيمانهم من الكاذبين، بما يشبه الامتحان والاختبار، وليجازين كلا بما يستحق.

وخلاصة ما سلف: اْيها الناس، لا تظنوا أني خلقتكم سدًى، بل خلقتكم لترقوا إلى عالم أعظم من عالمكم، وأرقى منه في كل شؤونه، ولا يتم ذلك إلا


(١) النسفي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.