كان، واسمها قوله:{إِلَّا أَنْ قَالُوا}؛ أي: إلا قول بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم: لا تجيبوا إبرايم عن براهينه الثلاثة، الدالة على التوحيد والنبوة والحشر.
{اقْتُلُوهُ}؛ أي: اقتلوا إبراهيم بسيف أو نحوه، فتستريحوا منه عاجلًا {أَوْ حَرِّقُوهُ}؛ أي: حرقوا إبراهيم بالنار، فإما أن يرجع إلى دينكم إذا أوجعته النار، وإما أن يموت بها إذا أصر على دينه، وفيه (١) تسفيه لهم، حيث أجابوا من احتج عليهم بأن يُقتل أو يحرق، وهكذا ديدن كل محجوج مغلوب، وإنما أجابوه بذلك لعدم قدرتهم على الجواب الصحيح، كما قاله الرازي.
والفاء في قوله:{فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} بجعلها بردًا، عاطفة على محذوف، تقديره: فألقوه في النار فانجاه الله سبحانه من أذاها، بأن جعلها عليه بردًا وسلامًا.
رُوي أنه لم ينتفع أحد بالنار يومئذ في موضع أصلًا، وذلك لذهاب حرها؛ أي: تشاوروا فيما بينهم، وقالوا: افعلوا بإبراهيم أحد الأمرين المذكورين، ثم اتفقوا على تحريقه فأضرموا نارًا عظيمة، فألقوه فيها، فأنجاه الله سبحانه منها.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الإنجاء؛ أي: في إنجاء الله تعالى إبراهيم من تلك النار {لَآيَاتٍ}؛ أي: لدلالات عجيبة، وآيات واضحة، وعلامات ظاهرة، وبراهين ساطعة على عظيم قدرة الله، وبديع صنعه، حيث أضرموا تلك النار العظيمة وألقوه فيها ولم تحرقه ولا أثرت فيه أثرًا إلا ما أحرقت من وثاقه، بل صارت إلى حالة مخالفة لما هو شأن عنصرها من الحرارة والإحراق.
{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: يصدقون بوجود الله وكمال قدرته، حيث أخمدها في زمن يسير، وأنشأ في مكانها روضًا زاهرًا، وبستانًا فاخرًا وأنيسًا بارًا على ما قيل، وإنما خص المؤمنين بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بآيات الله سبحانه بالتفحص عنها، والتأمل فيها، وأما الكافرون فمحرومون من الفوز بمغانم آثارها، وغافلون عن التفكر في حقائقها.