{وَ} لما شاهدت الملائكة ما حل به من الحزن والتضجر {قَالُوا} للوط: {لَا تَخَفْ} علينا من قومك {وَلَا تَحْزَنْ} لأجلنا فإنا ملائكة لا يقدرون علينا، أو المعنى: لا تخف علينا، ولا تحزن على هلاك قومك.
والمعنى: أي ولما جاءت الملائكة من عند إبراهيم إلى لوط على صورة بشر حسان الوجوه، خاف عليهم من قومه، وحصلت له مساءة وغم بسببهم، مخافة أن يقصدهم أحد بسوء، وهو عاجز عن مدافعة قومه، وتدبير الحيلة لحمايتهم، ودفع الأذى عنهم، وحين رأوه على هذه الحال من القلق والاضطراب قالوا له: هوِّن على نفسك، ولا تخف علينا، ولا تحزن بما نفعله بقومك، فإنهم قد بلغوا في الخبث مبلغًا لا مطمع في رجوعهم عنه، مهما نصحْت وألحفت في الإرشاد.
ثم ذكروا ما يوجب زوال خوفه وحزنه، وما يشيرون به إلى أنهم ملائكة، فقالوا:{إِنَّا مُنَجُّوكَ} من العذاب الذي سينزل بقومك {و} منجو {أَهْلَكَ} وأتباعك معك، فلن يصيبكم ما يصيبهم منه {إِلَّا امْرَأَتَكَ} فإنها {كَانَتْ} في سابق علم الله وحكمه الأزلي {مِنَ الْغَابِرِينَ}؛ أي: من الهالكين لمظاهرتها إياهم، والميل إلى شد أزرهم، والدفاع عنهم، فقد كانت تدلهم على ضيوفه، فيقصدونهم بالسوء، فصارت شريكة لهم في الجرم.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر ونافع وحفص (١): {مُنَجُّوكَ} بالتشديد، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة ويعقوب والأعمش {منجوك} بالتخفيف والكاف في مذهب سيبويه في موضع جر، ولا يجوز عطف الظاهر على الضمير المخفوض، وحينئذ (أهلك) منصوب على إضمار فعل؛ أي: وننجي أهلك، ومن راعى هذا الموضع عطفه على موضع الكاف، والكاف على مذهب الأخفش وهشام في موضع نصب، وأهلك معطوف عليه؛ لأن هذه النون كالتنوين، وهما على مذهبهما يحذفان، للطافة الضمير وشدة طلبه الاتصال بما قبله.