عباده ويمتحنه بالشكر؛ أي: يوسع لمن يرى صلاحه في ذلك {وَيَقْدِرُ}؛ أي: ويضيق الرزق على من يرى نظام حاله في ذلك، ويمتحنه بالصبر ليستخرج منهم بذلك معلومه من الشكر والكفران والصبر والجزع، فما لهم لا يشكرون في السراء، ولا يتوقعون الثواب بالصبر في الضراء كالمؤمنين.
والمعنى: ألم يشاهدوا ويعلموا أن الأمرين من الله، فما بالهم لم يشكروا في السراء، ويحتسبوا في الضراء، كما يفعل المؤمنون، فإن من فطر هذا العالم لا ينزل الشدة بعباده إلا لما لم فيها الخير، كالتأديب والتذكير والامتحان، فهو كما يربي عباده بالرحمة، يريبهم بالتعذيب، فلو أنهم شكروه حين السراء، وتضرعوا إليه في الضراء .. لكان خيرًا لهم.
والخلاصة: أنه يجب عليهم أن ينيبوا إليه في الرخاء والشدة، ولا يعوقهم عن الإنابة إليه نعمة تبطرهم، ولا شدة تحدث في قلوبهم اليأس، بل يكونون في السراء والضراء منيبين إليه، قال شقيق رحمه الله تعالى: كما لا تستطيع أن تزيد في خلقك ولا في حياتك، كذلك لا تستطيع أن تزيد في رزقك، فلا تتعب نفسك في طلب الرزق.
فإن قلت: قال هنا (١): {أَوَلَمْ يَرَوْا} بلفظ الرؤية، وفي الزمر {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا} بلفظ العلم، فما الفرق بين الموضعين؟
قلت: الفرق بينهما: أن بسط الرزق مما يرى، فناسبه ذكر الرؤية، وما في الزمر تقدمة {أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} فناسبه ذكر العلم.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور من القبض والبسط {لَآيَاتٍ}؛ أي: لدلالات على قدرته التامة، وحكمته البالغة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بها فيستدلون بها على وجود الصانع الحكيم، قال أبو بكر محمد بن سابق: