للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ووجوب إرسال الرسل مبشرين ومنذرين، وصحة بعث الأجسام يوم القيامة، ووعد وأوعد بما لم يبق بعده مستزاد لمستزيد، ثم ما زادهم دعاء الرسول إلا إعراضًا، ولا تكرار النصح إلا إصرارًا، وعنادًا .. أردف هذا تسليته على ما يراه من التمادي في الإعراض، وكثرة العناد، واللجاج، فأبان أن هؤلاء كأنهم موتى، فأنى لك أن تُسمعهم، وكأنهم صم، فكيف يسمعون دعاءَك حتى يستجيبوا لك، إنما الذي يستجيب من يؤمن بآيات الله، فهو إذا سمع كتابه .. تدبره وفهمه، فيخضع لك بطاعته، ويتذلل بمواعظ كتابه.

قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه (١) لما ذكر دلائل الآفاق على وحدانيته .. أردفها دلائل الأنفس، فذكر خلق الأنفس في أطوارها المختلفة، من ضعف إلى قوة، ثم انتكاسها وتغيير حالها من قوة إلى ضعف، ثم إلى شيخوخة وهرم، وبين أنه العلم بها في مختلف أحوالها، القدير على تغييرها، واختلاف أشكالها.

قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها؛ أنه تعالى لما ذكر فيما سلف بدء النشأة الأولى، وذكر الإعادة والبعث، وأقام عليه الأدلة في شتى السور، وضرب له الأمثال .. أردف ذلك بذكر أحوال البعث، وما يجري فيه من الأفعال والأقوال، من الأشقياء والسعداء، ليكون في ذلك عبرة لمن يدكر.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنه تعالى لما ذكر (٢) من الأدلة على الوحدانية والبعث ما ذكر، وأعاد وكرر بشتى البراهين، وبديع الأمثال .. أردف ذلك بأنه لم يبق بعد هذا زيادةً لمستزيد، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أدى واجبه، وأن من طلب شيئًا بعد ذلك .. فهو معاند مكابر، فإن من كذب الدليل الواضح اللائح، لا يصعب عليه تكذيب غيره من الدلائل، ولقد أجاد من قال:


(١) المراغي.
(٢) المراغي.