ومنها: التأكيد بإنَّ واللام معًا في قوله: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} مع أنَّه أكَّد باللام فقط فيما قبله؛ أعني: قوله: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا}؛ إشعارًا بأنَّ الجملة الثانية محتاجةٌ لمزيد التأكيد دون الأولى، وذلك أنَّ كونه في الآخرة من الصالحين أمرٌ مغيَّبٌ، فاحتاج الإخبار عنه إلى زيادة تأكيد، وأمَّا اصطفاء الله تعالى له في الدنيا، فأمر مشاهدٌ نقله جيلٌ عن جيل.
ومنها: الالتفات من التكلم في قوله: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ} إلى الغيبة في قوله: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ}؛ لأنَّ الأسماء الظاهرة من قبيل الغيبة، إذ مقتضى السياق أن يقال: إذ قلنا له أسلم، وكذا قوله:{أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} إذ مقتضاه أن يقال: أسلمت لك؛ لأنَّ الالتفات من المحسِّنات البديعة، ولهم فيه غرضٌ، والغرض من الالتفات في الأوَّل؛ إظهار مزيد اللُّطف به، والاعتناء بتربيتِهِ بذكر عنوان الربوبية، وفي الثاني: الإيذان بكمال قوّة إسلامه، والإشارة إلى أنَّ من كان ربًّا للعالمين لا يليق به إلّا أن يُتلقَّى أمره بالقبول، والإذعان، والخضوع ...
ومنها: التعبير بما الموضوعة لغير العاقل دون مَن الموضوعة للعاقل في قوله: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي}؛ لأنَّ المعبودات في ذلك الوقت كانت من غير العقلاء، كالأوثان، والأصنام، والشمس، والقمر، فاستفهم بما التي لغير العاقل، فَعرَف بَنوُهُ ما أَرَادَ، فأجابوه بالحق، إذ الجواب على وَفْقِ السؤال، ففيه مطابقة الكلام لمقتضَى الحال.
ومنها: فنُون البلاغة التي تضمَّنها قولُه: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} إلى آخره.
ومنها: الاطراد وهو: أن يذكر المتكلم أسماء آباء المخاطب مرتَّبةً على طبق ترتيبها في الميلاد، فقد تجاوز جدَّهم الأدنى إلى جدِّهم الأعلى؛ لكونه المبتدأ بالملة المتبعة.