للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أُمروا باتباع اليهودية والنصرانية، وإنما كان ذلك منهم على سبيل التقليد، وكُلُّ طائفةٍ منهم تكفِّر الأخرى، أجيبوا بأنَّ الأولى في التقليد اتباع إبراهيم؛ لأنّهم أعني: الطائفتين المختلفتين قد اتفقوا على صحة دين إبراهيم، والأخذُ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، إن كان الدين بالتقليد، فلما ذكر هنا جوابًا إلزاميًّا ذكر بعده برهانًا في هذه الآية، وهو ظهور المعجزة عليهم بإنزال الآيات، وقد ظهرت على يد محمد - صلى الله عليه وسلم -، فوجب الإيمان بنبوَّته، فإن تخصيص بعض بالقبول وبعض بالردِّ يوجب التناقض في الدليل، وهو ممتنعٌ نقلًا. انتهى.

قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: لمَّا بيَّن (١) سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أنَّ الملَّة الصحيحة هي ملة إبراهيم، وليست هي باليهودية والنصرانية، بل هي صبغة الله التي لا دخل لأحد فيها، وهي بعيدةٌ عن اصطلاحات الناس وأوضاعهم، ولكن نشأت بعد ذلك أوضاعُ الرؤساء، فطمست ما جرى عليه الأنبياء، حتى خفيت أوامرهم فيها إلى أن أرسل الله سبحانه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، ودعا الناس إلى الرجوع إليها، وأرشد إلى الحق الذي عليه صلاح المجتمع في دينه ودنياه .. شرع هنا يُبطل الشبهاتِ التي تعترض سبيل الحق، فلقَّن نبيَّه الحجج التي يدفع بها تلك المفتريات.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى ...} الآية، سبب نزول هذه الآية (٢): ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد، أو عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما - قال: (قال ابن صُوريا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما الهدى إلّا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد! تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله فيهم {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى ...} الآية.


(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.