للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به بعد أن يمثل هو في نفسه فيأتي بالمعروف فقال:

{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} التي (١) هي أكمل العبادات، تكميلًا لنفسك من حيث العمل بعد تكميلها من العلم والاعتقادات؛ لأن النهي عن الشرك فيما سبق قد تضمن الأمر بالتوحيد، الذي هو أول ما يجب على الإنسان؛ أي (٢): أدّها كاملةً على النحو المرضي لما فيها من رضا الرب بالإقبال عليه والإخبات له، ولما فيها من النهي عن الفحشاء والمنكر، وإذا تم ذلك .. صفت النفس وأنابت إلى بارئها في السراء والضراء، كما جاء في الحديث: "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

وبعد أن أمره بتكميل نفسه توفيةً لحق الله عليه، عطف على ذلك تكميله لغيره فقال: {وَأْمُرْ} غيرك بقدر استطاعتك {بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: بالمستحسن شرعًا وعقلًا، وحقيقته: ما يوصل العبد إلى الله تعالى. {وَانْهَ} الناس {عَنِ الْمُنْكَرِ}؛ أي: عن المستقبح شرعًا وعقلًا وتكميلًا لغيرك، وحقيقته: ما يشغل العبد عن الله؛ أي: وانْهَهُمْ بقدر استطاعتك عن معاصي الله ومحارمه، التي توبق من اكتسبها، وتلقي به في عذاب السعير، في جهنم وبئس المصير.

{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} من أذى الناس في ذات الله، إذا أنت أمرتهم بالمعروف أو نهيتهم عن المنكر، أو على ما أصابك من الشدائد والمحن، كالأمراض والفقر والهم والغم، والصبر: حبس النفس عما يقتضي الشرع أو العقل والكف عنه، وقد بدأ هذه الوصية بالصلاة وختمها بالصبر؛ لأنهما عمادا الاستعانة إلى رضوان الله تعالى، كما قال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}.

ثم ذكر علة ذلك فقال: {إِنَّ ذَلِكَ} الذي أوصيك به {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}؛ أي: من الأمور التي جعلها الله تعالى محتومة واجبةً على عباده، لا محيص عنها لما لها من جزيل الفوائد وعظيم المنافع في الدنيا والآخرة، كما دلت على ذلك تجارب الحياة، وأرشدت إليه نصوص الدين.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.