{إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} والسعر: التهاب النار، وعذاب السعير؛ أي: الحميم، كما في "المفردات".
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإسناد المجازي في قوله: {الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} لأن فيه وصف الشيء بصفة فاعله، ويجوز أن يكون الأصل: الحكيم قائله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو الضمير المجرور، فبانقلابه مرفوعًا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة، وهو من أحسن الصناعة.
فائدة: وصف الكتاب هنا بالحكيم مناسب لموضوع السورة؛ لأنه قد كرر في موضوعها الحكمة، حيث قال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} الخ. فناسب أن يختار هذا الوصف من أوصاف الكتاب المجيد على اصطلاحات القرآن، من التنسيق بين الألفاظ والموضوعات.
ومنها: وضع المصدر موضع الوصف للمبالغة، في قوله: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣)}.
ومنها: الإيجاز في قوله: {لِلْمُحْسِنِينَ}؛ أي: للذين يعملون الحسنات، ففيه إيجاز بليغ؛ لأن الحسنات لا تحصى، ولكنه خص منها هذه الثلاث المذكورة هنا لفضلها وشرفها.
ومنها: الإشارة إلى القريب باسم إشارة البعيد في قوله: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}؛ أي: هذه آيات الكتاب تنزيلًا للبعد الرتبي منزلة البعد الحقيقي.
ومنها: الإطناب بتكرار الضمير، وبتكرار اسم الإشارة في قوله: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)} لزيادة الثناء عليهم والتشريف لهم، كما أن الجملة تفيد الحصر؛ أي: هم المفلحون لا غيرهم.