للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يصبغ عباده بالإيمان، ويُطهِّرهم به من أوضار الكفر، وأنجاس الشرك، فلا صبغة أحسن من صبغته، فهي جماع كُلِّ خير، وبها تتألَّف القلوب، والشعوب، وتزكو النفوس، أمَّا ما أضافه الأحبار والرُّهبان من أهل الكتاب إلى الدين، فهي من صبغة البشريَّة، والصنعة الإنسانيَّة التي تجعل الدين الواحد مذاهب متفرقّةً، والأمَّة شيعًا متنافرةً. {وَنَحْنُ} معاشر المسلمين {لَهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: لله الذي أعطانا تلك النعمة الجليلة {عَابِدُونَ}؛ أي: مطيعون شكرًا لها، ولسائر نعمه التي لا تحصى، فإذا كان حرفةُ العبد العبادة، فقد زيّن نفسه بصبغٍ حسنٍ يزيِّنه ولا يشينه. وفيه تعريضٌ لأهل الكتاب؛ أي: لا نشرك به كشرككم، وتقديم الظرف على عامله؛ للاهتمام به؛ ولرعاية الفاصلة، وهو معطوف على آمنَّا داخلٌ تحت الأمر وهو قولوا، وهذا العطف (١) يردُّ قول من زعم أنَّ صبغة الله بدل من ملَّة أو نصب على الإغراء بمعنى: عليكم صبغة الله، لما فيه من فكِّ النظم، وإخراج الكلام عن التئامِه واتِّساقِه، وانتصابها يعني: صبغة الله على أنها مصدرٌ مؤكدٌ، هو الذي ذكره سيبويه، والقول: ما قالت حذام. انتهى. وتقديره: في الإغراء: عليكم صبغة الله ليس بجيدٍ؛ لأنَّ الإغراء إذا كان بالظرف والمجرور، لا يجوز حذف ذلك الظرف، ولا المجرور، ولذلك حينَ ذَكَرنا وَجْهَ الإغراء قدَّرنا: الزموا صبغة الله، ومعنى عابدون: موحِّدون، ومنه قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}؛ أي: لِيُوحّدُون. وقيل: مطيعون، متَّبعون ملَّة إبراهيم عليه السلام، وصبغة الله. وقيل: خاضعون، مستكينون في اتباع ملةِ إبراهيم، غير مستكبرين، وهذه أقوالٌ متقاربة.

والمعنى (٢): أي ونحن معاشر المسلمين له تعالى عابدون، ولا نعبد سواه، فلا نتَّخذ الأحبار والرهبان أربابًا يزيدون في ديننا، وينقصون، ويحلُّون، ويحرِّمون، ويَمْحُون مِنْ نفُوسِنا صبغةَ التوحيد، ويُثْبِتُون مكانَها صبغة البشر التي تُفْضِي إلى الإشراك بالله، واتخاذِ الأنداد له، وفي الآية إيماءٌ إلى أنَّ الإِسلام لم


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.