للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بلفظ غيره لوقوع ذلك الشيء في صحبة الغير، إمَّا بحسب المقال المحقَّق، أو المقدَّر بأن لا يكون ذلك الغير مذكورًا حقيقةً، ويكون في حكم المذكور لكونه مدلولًا عليه بقرينة الحال، فالمشاكلة تجري بين قولين، كما في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} فإنَّه عبَّر عن ذات الله تعالى بلفظ النفس؛ لوقوعه في صحبة لفظ النفس، وعبَّر هنا عن لفظ الفطرة بلفظ الصبغة؛ لوقوعه في صحبة صبغة النصارى إذ كانوا يشتغلون بصبغ أولادهم في سابع الولادة مكان الختان، للمسلمين بغمسهم في الماء الأصفر الذي يسمُّونه المعمودية بالدال، أو المعمورية بالراء، على زعم أنَّ ذلك الغمس وإن لم يكن مذكورًا حقيقةً، لكنَّه واقعٌ فعلًا من حيث إنّهم يشتغلون به، فكان في حكم المذكور بدلالة قرينة الحال عليه من حيث اشتغالهم به، ومن حيث إنّ الآية نزلت ردًّا لزعمهم ببيان أنَّ التطهير المعتبر هو تطهير الله عباده، لا تطهير أولادكم بغمسهم في المعمودية، وهي اسم ماءٍ غسل به عيسى عليه السلام حين ولادته، وهو نهرٌ في الأردن، وهو عند النصارى مثل الزمزم عند المسلمين في غسل أولادهم به تبرُّكًا به عندما ينصِّرونهم، فمزجوه بماءٍ آخر، وكُلَّما استعملوا منه جعلوا مكانه ماءً آخر.

وقرأ الأعرج (١)، وابن أبي عبلة: بالرفع على أنّه خبر لمبتدأ محذوف، تقدير: ذلك الإيمان صبغة الله؛ أي: دين الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}؛ أي: دينًا. وقيل: تطهيرًا؛ لأنّه يطهِّر من أوساخ الكفر؛ أي: لا صبغة أحسن من صبغته تعالى؛ لأنّه تعالى يصبغ عباده بالإيمان، ويطهِّرهم به من أوضار الشرك. وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ} مبتدأٌ (٢) وخبرٌ، والاستفهام فيه للإنكار بمعنى النفي {مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} نصب على التمييز من أحسن، منقولٌ من المبتدأ، والتقدير: ومَنْ صِبْغَتُهُ أحسنُ من صبغته تعالى، فالتفضيل جارٍ بين الصبغتين لا بين فاعليهما، والمعنى: أيُّ شخصٍ تكون صبغته أحسن من صبغة الله تعالى؟ فإنّه


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.