للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَإِذَا طَعِمْتُمْ} الطعام وأكلتم وتناولتموه .. فإن الطعم تناول الغذاء {فَانْتَشِرُوا}؛ أي: فأخرجوا من منزله، وتفرقوا واذهبوا حيث شئتم في الحال، ولا تمكثوا بعد الأكل والشرب. أمرهم سبحانه بالانتشار بعد الطعام، وهو التفرق، والمراد: الإلزام بالخروج من المنزل الذي وقعت الدعوة إليه عند انقضاء المقصود من الأكل.

وفي قوله: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} لطيفة، وهي (١): أن في العادة إذا قيل لمن يعتاد دخول دار من غير إذن: لا تدخلها إلا بإذن .. يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلًا، ولا بالدعاء، قال: لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون، بل كونوا طائعين، إذا قيل لكم: لا تدخلوا فلا تدخلوا، وإذا قيل لكم: ادخلوا فادخلوا، وقوله: {إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} يفيد الجواز، وقوله: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} يفيد الوجوب فليس تأكيدًا، بل هو مفيد فائدة جديدة. اهـ "رازي".

والآية (٢) خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه مخصوصة بهم وبأمثالهم، وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بالإذن لغير الطعام، ولا اللبث بعد الطعام لأمر مهم، وليس كذلك، كما سيأتي.

{وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} هو مجرور عطفًا على ناظرين؛ أي: غير مستأنسين، أو منصوب على الحالية بعامل مقدر؛ أي: ولا تدخلوا ولا تمكثوا مستأنسين بحديث بعضكم مع بعض، أو بحديث أهل البيت بالسمع له، نهوا أن يطيلوا الجلوس، ويستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدِّثه به، أو يستأنسوا بالحديث مع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، واللام في قوله: {لِحَدِيثٍ} يحتمل أن تكون للعلة؛ أي: مستأنسين لأجل أن يحدث بعضكم بعضًا، وأن تكون المقوية للعامل؛ لأنه فرع؛ أي: لطلب اسم الفاعل للمفعول؛ أي: ولا مستأنسين حديث أهل البيت أو غيرهم، واستئناسه تسمعه. اهـ "سمين" ويحتمل أن تكون بمعنى الباء، والأنس: ضد الوحشة والنفور، كما سيأتي.


(١) الفخر الرازي.
(٢) البيضاوي.