والمعنى (١): أي ولكن إذا دعاكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. فادخلوا البيت الذي أذن لكم في دخوله، فإذا أكلتم الطعام الذي دعيتم إلى أكله .. فتفرقوا واخرجوا, ولا تمكثوا فيه لتتبادلوا ألوان الحديث وفنونه المختلفة.
وقال الرازي في قوله:{إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} إما أن يكون فيه تقديم وتأخير، تقديره: ولا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم، فلا يكون منعًا من الدخول في غير وقت الطعام بغير إذن، وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير، فيكون معناه: ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام، فيكون الإذن مشروطًا بكونه إلى طعام، فإن لم يؤذن إلى طعام .. فلا يجوز الدخول، فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام، فلا يجوز. فنقول: المراد هو الثاني؛ ليعم النهي عن الدخول، وأما كونه لا يجوز إلا بإذن إلى طعام .. فلما هو مذكور في سبب النزول: أن الخطاب مع قوم كانوا يتحينون حين الطعام، ويدخلون من غير إذن، فمنعوا من الدخول في وقتهم بغير إذن.
وقال ابن عادل: الأولى أن يقال: المراد هو الثاني؛ لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل، وقوله:{إِلَى طَعَامٍ} من باب التخصيص بالذكر، فلا يدل على نفي ما عداه، لا سيما إذا علم مثله، فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه .. جاز دخوله بإذنه إلى غير طعام. انتهى.
والأولى في التعبير عن هذا المعنى الذي أراده أن يقال: قد دلت الأدلة على جواز دخول بيوته - صلى الله عليه وسلم - بإذنه لغير الطعام، وذلك معلوم لا شك فيه، فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام، فياذن لهم، وذلك يوجب قصر هذه الآية على السبب الذين نزلت فيه، وهو القوم الذين كانوا يتحينون طعام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، وأمثالهم، فلا تدل على المنع من الدخول مع الإذن لغير ذلك، وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته باذنه لغير الطعام، واللازم باطل، فالملزوم مثله.
قال ابن عطية: وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكِّر