للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الماضية، فهو معطوف على {لِتَكُونُوا} يعني (١): أن الرسول يزكيكم في شهادتكم على الأمم السابقة أن أنبياءهم بلَّغوهم، وعلى هذا تكون {عَلَى} بمعنى اللام؛ أي: يكون شاهدًا لكم؛ أي: مزكيًا لكم شاهدًا بعدالتكم.

وأخرت (٢) صلة الشهادة أولًا، وقدمت آخرًا؛ لأن المراد في الأول: إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر: اختصاصهم بكون الرسول شهيدًا عليهم.

وقيل (٣): معنى قوله تعالى: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا ادعى على أمته أنه بلغهم .. تقبل منه هذه الدعوى، ولا يطالب بشهيد يشهد له، فسميت دعواه شهادة من حيث قَبولها، وعدمِ توقفها على شيء آخر، بخلاف سائر الأنبياء لا تقبل دعواهم على أممهم إلا بشادة الشهود، وهم هذه الأمة {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ}؛ أي: وما صيرنا لك القبلة الآن بعد الهجرة الجهة {الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا}؛ أي: كنت على استقبالها أولًا في مكة قبل الهجرة، وتلك الجهة الكعبة، فـ {القبلة}: هو المفعول الثاني لـ {جعل} مقدمًا، و {التي} صفة لموصوف محذوف؛ أي: الجهة التي كنت عليها، وهذا هو المفعول الأول مؤخرًا، وجعل: بمعنى صير، والتقدير: وما صيرنا الجهة التي كنت عليها أولًا قبل الهجرة - وهي الكعبة - القبلة الآن؛ أي: بعد نسخ استقبال بيت المقدس؛ أي: وما جعلنا قبلتك الأولى قبلة لك ثانيًا؛ أي: ما حولناك ورجعناك إليها {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}؛ أي: إلا لنعاملهم معاملة مَنْ يمتحنهم، ونعلم حينئذ مَنْ يتبع الرسول محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في التوجه إلى ما أُمر به - وهو الكعبة - ويصدقه، ممن ينقلب ويرجع إلى الكفر مرتدًا، وراجعًا على عقبيه شكًّا في الدين، وظنًّا منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حيرة من أمره، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى الكعبة قبل الهجرة، فلما هاجر أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس تألفًا لليهود، فصلى إليها سبعة عشر شهرًا، ثم حول إلى الكعبة، وارتد قوم من المسلمين إلى اليهودية، وقالوا: رجعَ محمد إلى دين آبائه. وقرأ الزهري: {ليُعلَم} بالبناء للمفعول وقرىء: {على


(١) كرخي بتصرف.
(٢) نسفي.
(٣) مراح.