التشريف بمزيد الكرامة للنبي، والرحمة عامة، والصلاة خاصة، كما دل العطف على التغاير في قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}، وقال بعضهم: صلوات الله على غير النبي رحمة، وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثناء ومدحة، قولًا وتوفيق وتأييد فعلًا، وصلاة الملائكة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -: استغفار، وعلى النبي: إظهار للفضيلة، والمدح قولًا، والنصرة والمعاونة فعلًا. وصلاة المؤمنين على غير النبي: دعاء، وعلى النبي: طلب الشفاعة قولًا، واتباع السنة فعلًا.
وقال بعضهم: صلوات الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبليغه إلى المقام المحمود، وهو مقام الشفاعة لأمته، وصلوات الملائكة: دعاؤهم له بؤيادة مرتبته، واستغفارهم لأمته، وصلوات الأمة: متابعتهم له، ومحبتهم إياه، والثناء عليه بالذكر الجميل.
وهذا التشريف الذي شرف الله به نبينا - صلى الله عليه وسلم - أتم من تشريف آدم عليه السلام بأمر الملائكة بالسجود له؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله تعالى مع الملائكة في هذا التشريف لآدم، وقد أخبر تعالى عن نفسه بالصلاة على النبي، ثم عن الملائكة، وما أحسن قول بعضهم:
وقرأ الجمهور:{وَمَلَائِكَتَهُ} بنصب الملائكة عطفًا على لفظ اسم {إِنَّ}، وقرأ ابن عباس وعبد الوارث عن أبي عمرو:{وملائكتُه} بالرفع عطفًا على محل اسم {إِنَّ}، والضمير في قوله:{يُصَلُّونَ} راجع إلى الله، وإلى الملائكة، وفيه تشريف للملائكة عظيم، حيث جعل الضمير لله ولهم واحدًا، فلا يرد الاعتراض بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - لما سمع قول الخطيب يقول: من يطع الله ورسوله .. فقد رشد، ومن يعصهما .. فقد غوى، فقال:"بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعصى الله ورسوله". ووجه ذلك: أنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله سبحانه مع غيره في ضمير واحد، وهذا الحديث ثابت في "الصحيح". وثبت أيضًا في "الصحيح" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر مناديًا ينادي يوم خيبر: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية. ولأهل العلم أبحاث في الجمع بين الحديثين ليس هذا موضع ذكرها، والآية مؤيدة للجواز لجعل الضمير فيها لله ولملائكته واحدًا، والتعليل بالتشريف للملائكة يقال مثله في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجمع بينهما يحمل الذم لذلك الخطيب