وترك إدناء الجلابيب. {رَحِيمًا} بهن أو بعباده؛ حيث يراعي مصالحهم حتى الجزئيات منها، أو غفورًا للمذنبين، رحيمًا بهم بقبول توبتهم، فيدخلن في ذلك دخولًا أوليًا.
قال أنس رضي الله عنه: مرت لعمر بن الخطاب جارية متقنعة، فعلاها بالدرة وقال: يا لكاع، تتشبهين بالحرائر، ألقي القناع. وفي الآية تنبيه لهنّ على حفظ أنفسهن، ورعاية حقوقهن بالتصاون والتعفف، وفيها إثبات زينتهن، وعزة قدرهن.
وقيل المعني:{ذَلِكَ} التنبيه {أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} أن لهن قدرًا ومنزلة وعزة في الحضرة {فَلَا يُؤْذَيْنَ} بالأطماع الفاسدة، والأقوال الكاذبة {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} لهن بامتثال الأوامر {رَحِيمًا} بهن بإعلاء درجاتهن، كما في "التأويلات النجمية".
واعلم: أنه فهم من الآية شيئان:
الأول: أن نساء ذلك الزمان كنَّ لا يخرجن لقضاء حوائجهن إلا ليلًا تسترًا وتعففًا، وإذا خرجن نهارًا لضرورة .. يبالغن في التغطي، ورعاية الأدب والوقار، وغض البصر عن الرجال الأخيار والأشرار، ولا يخرجن إلا في ثياب دنيئة، فمن خرجت من بيتها متعطِّرة متبرِّجة؛ أي: مظهرة زينتها ومحاسنها للرجال .. فإن عليها ما على الزانية من الوزر، وعلامة المرأة الصالحة عند أهل الحقيقة أن يكون حسنها مخافة الله، وغناها القناعة، وحليها العفة؛ أي: التكفف عن الشرور والمفاسد، والاجتناب عن مواقع التهم.
والثاني: أن الدنيا لم تخل عن الفسق والفجور حتى في الصدر الأول، فرحم الله أمرأً غضَّ بصره عن أجنبية، فإن النظرة تزرع في القلب شهوة، وكفى بها فتنة. قال ابن سيرين رحمه الله: إني لأرى المرأة في منامي، فاعلم أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها. فيجب على المرء أن لا يقرب امرأةً ذات عطر وطيب، ولا يمس يدها, ولا يكلمها, ولا يمازحها, ولا يلاطفها, ولا يخلو بها، فإن الشيطان يهيّج شهوته، ويوقعه في الفاحشة.
وفي الحديث:"من فاكه امرأةً لم تحل له، ولا يملكها .. حبس بكلِّ كلمةٍ ألف عام في النار، ومن التزم امرأةً حرامًا - أي: اعتنقها - .. قرن مع الشيطان في سلسلة؛ ثم يؤمر به إلى النار" والعياذ بالله من دار البوار.