اليهودَ والنصارى الذين أعطوا التوراة والإنجيل {بِكُلِّ آيَةٍ}؛ أي: بكل حجةٍ قطعيةٍ دالةٍ على صدقك في أنَّ تحولك بأمرٍ من الله، وذلك (١) بأنّهم قالوا: ائتنا بآيةٍ على ما تقول، فأنزل الله هذه الآية:{مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} الكعبة، وما دخلوا في دينك، والجملة جواب القسم المحذوف، والقسم وجوابه سادٌ مسد جواب الشرط؛ وذلك لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهةٍ تزيلها عنهم بإيراد الحجة والمعجزة عليهم، إنما هو عن مكابرةٍ وعنادٍ، مع علمهم بما في كتبهم من نعتك أنك على الحق، فهم معاندون جاحدون نبوتك مع العلم بها، ففي الآية تسليةٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إيمانهم، وترويحُ خاطره؛ لأنَّ هؤلاء لا تؤثر فيهم كل آية، ولا يرجعون إلى الحق وإن جاءهم بكل برهانٍ، فضلًا عن برهانٍ واحد {وَمَا أَنْتَ} يا محمدُ {بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} وقرىء {بتابعِ} بالإضافةِ إلى ما بعدَه بلا تنوينٍ تخفيفًا؛ لأن اسم الفاعل المستكمِل لشروطِ العمل يجوز فيه الوجهان؛ أي: بتابعِ قبلةِ اليهود والنصارى، وهذه الجملة خبرية، قيل معناها: النهي، وطلب الدوام على قبلته؛ أي: لا تتبع قبلتهم، ودُمْ على قبلتك التي حولناك إليها - وهي الكعبة - وإلا فهو معصومٌ عن اتِّباع قبلتهم بعدَ ورود الأمر بالتحول، وقيل معناها: بيانُ أن هذه القبلة باقيةٌ غيرَ منسوخةٍ، وقطعٌ لأطماعهم، فإنهم قالوا: لو ثَبَتَّ على قبلتنا لكنّا نرجو أَنْ تكون صاحبنا الذي ننتظره تعزيرًا له، وطمعًا في رجوعه إلى قبلتهم. وأفردَ القِبلة في قوله:{قِبْلَتَهُمْ} مع أن لهم قبلتين: قبلةً لليهود، وقبلة للنصارى مغايرةً لقبلة اليهود؛ لأنها وإن تعددت فهي في البطلان كالقبلةِ الواحدةِ. {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ}؛ أي: وما بعضُ أهلِ الكتاب اليهودِ والنصارى بتابعٍ قبلةَ البعضِ الآخر؛ أي: فإنهم وإن اتفقوا في التظاهر على النبي - صلى الله عليه وسلم - مختلفونَ فيما بينهم، فلا اليهود تتبعُ قبلة النصارى، ولا النصارى تتبع قبلة اليهود، فقبلةُ اليهود بيت المقدس، وقبلة النصارى مطلع الشمس، وقبلة النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة، فلا يرجى توافقهم، كما لا يرجى موافقتهم لك لتصلّب كل حزبٍ فيما هو فيه، وذلك إشارةً إلى أن اليهود لا تتنصر، وإلى أنَّ النصارى لا