للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تتهوَّد، وذلك لما بينهما من إفراط العداوة والتباغض، وقد رأينا اليهود والنصارى كثيرًا ما يدخلون في ملة الإِسلام، ولم نشاهد يهوديًّا تنصر، ولا نصرانيًّا تهود.

وفي "بدائع الفوائد" لابن القيم: قبلةُ أهل الكتاب ليست بوحي ولا توقيف من الله تعالى، بل بمشورةٍ واجتهادٍ منهم، أما النصارى: فلا ريب أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيرِه باستقبالِ المشرقِ، وهم يُقرُّون بأنَّ قبلة المسيح عليه السلام قبلةُ بني إسرائيل وهي الصخرة، وإنما وضع لهم أشياخهم هذه القبلةَ وهم يعتذرون عنهم بأنَّ المسيحَ عليه السلام فوَّض إليهمُ التحليلَ والتحريم وشرع الأحكامِ، وأنَّ ما حلّلوه وحرّموه فقد حلّله هو وحرّمه في السماء، فهم واليهود متفقون على أنَّ الله تعالى لم يشرع استقبال بيت المقدس على رسوله أبدًا، والمسلمونَ شاهدون عليهم بذلك الأمر، وأما قبلة اليهود: فليس في التوراة الأمر باستقبالِ الصخرةِ البتة، وإنما كانوا ينصبون التابوت، ويصلون إليه حيث خرجوا، فإذا قدموا نصبوه على الصخرةِ وصلّوا إليه، فلما رُفع صلوا إلى موضعه، وهو الصخرة. انتهى.

ووقع في بعض كتب القصص (١): أن قبلة عيسى عليه السلام كانت بيتَ المقدس، وبَعْد رَفْعِه ظهر بولس ودسَّ في دينهم دسائسَ، منها أنه قال: لقيتُ عيسى عليه السلام فقال لي: إن الشمس كوكبٌ أحبه يبلِّغ سلامي في كل يومٍ فَمُرْ قومي ليتوجهوا إليها في صلاتهم، ففعلوا ذلك.

{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ}؛ أي: وعزتي وجلالي لَئِن اتبعتَ يا محمدُ - فَرَضًا - أهواءهم وشهواتهم؛ أي: الأمورَ التي يهوونها، ويحبونها، ويطلبونها منك، ومنها: رجوعك إلى قبلتهم {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} والوحي من أمر القبلةِ بأنَّك لا تعود إلى قبلتهم، وأنَّ القبلةَ هي الكعبةُ، وأنَّ دينَ اللهِ هو الإِسلامُ، وقيل (٢) معناه: من بعد ما وصل إليك من العلم بأنَّ اليهود والنصارى مقيمون على باطلٍ وعنادٍ للحقِ {إِنَّكَ} يا محمد {إِذًا} ولفظ {إذا} هنا


(١) جمل.
(٢) الخازن.