{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ}؛ أي: الكفار {لَا يَعْلَمُونَ} ما عند الله وما لهم من النفع في إرسال الرسل، فيحملهم جهلهم على الإصرار على ما هم عليه من الغيِّ والضلال، ونحو الآية قوله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣)}، وقوله:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
وكرر ذكر الناس (١) تخصيصًا للجهل بنعمتي البشارة والنذارة، ونعمة الرسالة بهم، وأنهم هم الذين لا يعلمون فضل الله بذلك عليهم ولا يشكرونه، وذلك لأن العقل لا يستقل بإدراك جميع الأمور الدنيوية والدينية والأخروية، والتمييز بين المضار والمنافع، فاحتاج الناس إلى التبشير والإنذار، وبيان المشكلات من جهة أهل الوحي.
تتمة: وفي بعض الروايات من الحديث. السابق آنفًا:"فضلت علي الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم"، وهي ما يكون ألفاظه قليلة، ومعانيه كثيرة، "ونصرت بالرعب" يعني: نصرني الله بإلقاء الخوف في قلوب أعدائي، "من مسيرة شهر بيني وبينهم"، وجعل الغاية شهرًا؛ لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه المحاربين له أكثر من شهر، "وأحلت لي الغنائم" يعني: أن من قبله من الأمم كانوا إذا غنموا الحيوانات .. تكون ملكًا للغانمين دون الأنبياء، فخص نبينا - صلى الله عليه وسلم - بأخذ الخمس والصفي، وإذا غنموا غيرها من الأمتعة والأطعمة والأموال جمعوه، فتجيء نار بيضاء من السماء، فتحرقه حيث لا غلول، وخص هذه الأمة المرحومة بالقسمة بينهم، كأكل لحم القربان، فإن الله أحله لهم زيادة في أرزاقهم، ولم يحله لمن قبلهم من الأمم، "وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا" يعني: أباح الله لأمتي الصلاة حيث كانوا تخفيفًا لهم، وأباح التيمم بالتراب عند فقد الماء، ولم يبح الصلاة للأمم الماضية إلا في كنائسهم، ولم يجز التطهر لهم إلا بالماء، "وأرسلت إلى الخلق كافة"؛ أي: في زمنه وغيره ممن تقدم أو تأخر، بخلاف رسالة نوح عليه السلام، فإنها وإن كانت عامة لجميع أهل الأرض، لكنها خصت بزمانه، قال في