الحسرة والندامة، حين يرون العذاب، ثم أعقبه بذكر ما سيحيق بهم من الإهانة بوضع الأغلال في الأعناق، وأن هذا جزاء لهم على ما عملوا من سيء الأعمال، وما دسوا به أنفسهم من قبيح الخلال.
قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر قول المشركين لرسوله: لن نؤمن بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه، بعد أن طال به الأمد في دعوتهم حتى لحقه من ذلك الغم الكثير، كما قال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)} .. سلاه على ما ابتلي به من مخالفة مترفي قومه له، وعداوتهم إياه بالتأسي بمن قبله من الرسل، فهو ليس بدعًا من بينهم، فما من نبي بعث في قرية إلا كذبه مترفوها، واتبعه ضعفاؤها، كما قال:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا}، ثم ذكر حجتهم بأنهم لا حاجة لهم إلى الإيمان به، فما هم فيه من مال وولد برهان ساطع على محبة الله إياهم، فرد عليهم بأن بسط الرزق وتقتيره، كما يكون للبر .. يكون للفاجر؛ لأن ذلك مرتبط بسنن طبيعية، وأسباب قدرها سبحانه في هذه الحياة، فمن أحسن استعمالها استفاد منها، ثم ذكر أن المتقين يمتّعون إذ ذاك بغرف الجنان، وهم في أمن ودعة، وأن الذين يصدون عن سبيل الله في نار جهنم يصلونها أبدًا، ثم وعد المنفقين في سبيل الله بالإخلاف، وأوعد الممسكين بالإتلاف.
قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) أنَّ حال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قومه ليس بدعًا بين الرسل، فحاله معهم كحال من تقدمه منهم مع أقوامهم، فكلهم كذبوا، وكلهم أوذوا في سبيل الله، ثم أعقب ذلك بأن ردّ عليهم بأن كثرة الأموال والأولاد لا صلة لها بمحبة الله تعالى، ولا سخطه .. أردف ذلك ما يكون من حالهم يوم القيامة من التقريع والتأنيب بسؤال الملائكة لمعبوداتهم أمامهم: هل هؤلاء كانوا يعبدونكم؟ فيجيبون: بأنهم كانوا يعبدون الشياطين بوسوستهم لهم، ثم بيَّن أنهم في ذلك اليوم لا يقع لهم نفع ممن كانوا يرجون من الأوثان والأصنام، ويقال لهم على طريق