للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لله تعالى في خلق كل واحدِ من الخلق سرًا مخصوصًا به، وله مع كل واحد شأن آخر، فكل مطالب بما حمل، كما أن كل بذر ينبت بنبات قد أودع فيه، ولا يطالب بنبات بذر آخر؛ لأنه لا يحمل إلا ما حمل عليه، كما في "التأويلات النجمية".

وإنما قال (١): {وَازِرَةٌ}، ولم يقل: ولا تزر نفس وزر أخرى؛ لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى منهنّ واحدة إلا حاملة وزرها لا وزر غيرها. {وَإِنْ تَدْعُ} مضارع أسند إلى الغائبة؛ أي: ولو دعت نفس {مُثْقَلَةٌ}؛ أي: نفس أثقلتها الأوزار، وهي تقع على المذكر والمؤنث، والمفعول محذوف؛ أي: أحدًا، فالثقل: الإثم، سمي به لأنه يثقل صاحبه يوم القيامة، ويثبطه عن الثواب في الدنيا، {إِلَى حِمْلِهَا} الذي عليها من الذنوب ليحمل بعضها قيل: في الأثقال في الظاهر، كالشيء المحمول على الظهر حمل بالكسر، وفي الأثقال المحمول في الباطن كالولد في البطن حمل بالفتح، كما في "المفردات".

{لَا يُحْمَلْ مِنْهُ}؛ أي: من حملها {شَيْءٌ} قليل ولا كثير؛ أي: لم تجب لحمل شيء منه. {وَلَوْ} للوصل (٢)؛ أي: للغاية {كَانَ}؛ أي: المدعو المفهوم من الدعوة، وترك ذكره ليشمل كل مدعو {ذَا قُرْبَى}؛ أي: ذا قرابة من الداعي كالأب والأم والولد والأخ ونحو ذلك؛ إذ لكل واحد منهم يومئذ شأن يغنيه، وحمل يعجزه، وقيل: التقدير: ولو كان الداعي ذا قربى، والمعنيان حسنان. اهـ "جمل".

ففي هذا دليل على أنه تعالى لا يؤاخذ بالذنب إلا جانيه، وأن الاستغاثة بالأقربين غير نافعة لغير المتقين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يلقى الأب والأم ابنه فيقول: يا بني، احمل عني بعض ذنوبي، فيقول: لا أستطيع، حسبي ما عليَّ، وكذا يتعلق الرجل بزوجته فيقول لها: إني كنت لك زوجًا في الدنيا، فيثني عليها خيرًا، فيقول: قد احتجت إلى مثقال ذرةٍ من حسناتك، لعلي أنجو بها مما ترين، فتقول: ما أيسر ما طلبت، ولكن لا أطيق، إني أخاف مثل ما تخوفت.

فإن قلت (٣): ما الفرق بين معنى قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ومعنى:


(١) النسفي.
(٢) روح البيان.
(٣) النسفي.