للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: الظالم لنفسه هو صاحب الكبائر، وقيل: هو المقصّر في العمل بالكتاب.

واعلم (١): أن الظلم ثلاثة أقسام: ظلم بين الإنسان وبين الله، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، وظلم بينه وبين الناس، وظلم بينه وبين نفسه، وهو المراد بما في هذه الآية كما في "المفردات". وتقديم الظالم في الذكر لا يدل على تقديمه في الدرجة لقوله تعالى: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}، كما في "الأسئلة المقحمة"، وقال بعضهم: قدم الظالم لكثرة الفاسقين، ولأن الظلم بمعنى الجهل، والركوب إلى الهوى مقتضى الجبلة، والاقتصاد والسبق عارضان، وقال أبو الليث: الحكمة في تقديم الظالم وتأخير السابق كي لا يعجب السابق بنفسه، ولا ييأس الظالم من رحمة الله.

وقال القشيري: في الإرث يبدأ بصاحب الفرض، وإن قلّ نصيبه، فكذا هاهنا بدأ بالظالم، ونصيبه أقل من نصيب الآخرين، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}؛ أي: متوسط في العمل بالكتاب في أغلب الأوقات، ولا يخلو من خلط شيء أو متوسط في أمر الدين، بحيث لا يميل إلى جانب الإفراط، ولا إلى جانب التفريط، وهذا من أهل الجنة {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ}؛ أي: متقدم إلى ثواب الله وجنته ورحمته {بِالْخَيْرَاتِ}؛ أي: بالأعمال الصالحة، بضم التعليم والإرشاد إلى العلم والعمل {بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: بإرادته وتوفيقه، جعله في "كشف الأسرار" متعلقًا بالأصناف الثلاثة على معنى ظلم الظالم، وقصد المقتصد، وسبق السابق بعلم الله تعالى، والظاهر تعلقه بالسابق، كما ذهب إليه أجلاء المفسرين على معنى بتيسيره وتوفيقه وتمكينه من فعل الخير، لا باستقلاله، وفيه تنبيه على عزة منال هذه الرتبة وصعوبة مأخذها قال القشيري: كأنه قال: يا ظالم ارفع رأسك، فإنك وإن ظلمت فما ظلمت إلا نفسك، ويا سابق اخفض فإنك وإن سبقت فما سبقت إلا بتوفيقي.

وقرأ الجمهور (٢): {سَابِقٌ} على صيغة اسم الفاعل، وقرأ أبو عمران الحوفي وعمر بن أبي شجاع ويعقوب في رواية والقراءة عن أبي عمرو: {سبَّاق} على صيغة المبالغة، وقيل: المراد بالطوائف الثلاث: التالي للقرآن تلاوة مجرّدة، والقارىء له العامل به، والقارىء العامل بما فيه والمعلم له، وقال الحسن:


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.