للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: في نار جهنم، ويدعون ويتضرعون ويقولون: يا {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا} من هذه النار، وخلّصنا من عذابها، وردَّنا إلى الدنيا، {نَعْمَلْ} عملًا {صَالِحًا} على أنه صفة لمصدر محذوف، ويصح كونه صفة لمحذوف؛ أي: شيئًا صالحًا؛ أي: نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، وذلك لأنّ قبول الأعمال مبنيّ على الإيمان {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} في الدنيا؛ أي: غير الذي عملناه في الدنيا أولًا، قيدوا العمل الصالح بهذا الوصف إشعارًا بأنهم كانوا يحسبون ما فعلوه صالحًا، والآن تبيّن خلافه؛ إذ كان هوًى وطبعًا ومخالفةً، وللتحسّر على ما عملوه من غير الأعمال الصالحة مع الاعتراف منهم بأنّ أعمالهم في الدنيا كانت غير صالحة؛ أي: وهم يسشغيثون ويضجّون في النار يقولون ربّنا أخرجنا منها، وأعدنا إلى دار الدنيا .. نطعك ونعمل غير الذي كنا نعمل من معصيتك، وقد علم منهم أنه لو ردّهم إلى هذه الدار .. لعادوا إلى ما نهوا عنه، فأجاب الله سبحانه عليهم بقول: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} ونمهلكم يا معشر الكفار في الدنيا، {مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ}؛ أي: بقدر ما يتّعظ فيه، {مَنْ تَذَكَّرَ}؛ أي: من أراد أن يتعظ ويؤمن، والهمزة فيه (١) للاستفهام التقريري المضمّن للتوبيخ، داخلة على محذوف يقتضيه المقام، والواو عاطفة على ذلك المحذوف والتعمير إطالة العمر، والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة، و {مَّا} نكرة موصوفة، أو مصدر يراد به الزمان، كقولك: أتيك غروب الشمس. والتقدير: ألم نعطكم مهلة، ولم نعمركم عمرًا أو تعميرًا أو وقتًا وزمنًا يتذكر فيه من تذكر؛ أي: يتمكن فيه من التذكر والتفكر من أراد التذكر والتفكر في شأنه وإصلاح حاله، وإن قصر، إلا أن التوبيخ في المطاولة أعظم، وهذا الزمن قيل: هو ستون سنة، قاله جماعة من الصحابة، وقيل: أربعون سنة، قاله الحسن ومسروق وغيرهما، وقيل: ثماني عشرة سنة، قاله عطاء وقتادة.

وقرأ الأعمش (٢): {ما يذكّر فيه} بالإدغام من اذكر بالإدغام، واجتلاب همة الوصل ملفوظًا بها في الدرج.

يعني: أنه إذا بلغ حدّ البلوغ يفتح الله له نظر العقل، فيلزم حينئذ على المكلف أن ينظر بنظر العقل إلى المصنوعات، فيعرف صانعها ويوحّده ويطيعه، وأَذا بلغ إلى


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.