للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الثماني عشرة، أو العشرين، أو ما فوق ذلك يتأكد التكليف، ويلزم الحجة أشدّ من الأول، وفي الحديث: "أعذر الله إلى امرىء أخّر أجله حتى بلغ ستين سنة"؛ أي: أزال عذره، ولم يبق له موضعًا للاعتذار؛ حيث أمهله طول هذه المدة، ولم يعتذر؛ لأن الستين قريب معترك المنايا، وهو زمن الإنابة والخشوع وترقب المنية ولقاء الله تعالى، ولعل سرّ تعيين ستين ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجاوز ذلك" رواه ابن ماجه عن أبي هريرة، فإذا بلغ الستين وجاوزها .. كانت السبعون آخر زمان التذكُّر؛ لأن ما بعدها زمان الهرم.

وكل جماعة من الصحابة فمن بعدهم إذا بلغ أربعين سنة، أو رأى شيبًا .. بالغ في الاجتهاد، وطوى الفراش، وأقبل على قيام الليل، وأقلَّ معاشرة الناس، ولا فرق في ذلك بين الأربعين فما دونها؛ لأن الأجل مكتوم لا يدري متى يحل، أيقظنا الله وإياكم من رقدة الغافلين، والمعنى (١): عشتم في الدنيا أعمارًا لو كنتم من ينتفعون بالحق لانتفعتم به مدة عمركم، ونحو الآية حكاية عنهم: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}.

والخلاصة: أنه تعالى لا يجيبكم إلى ما طلبتم؛ لأنكم كنتم عصاة، ولو رددتم لعدتم إلى ما نهيتم عنه {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}؛ أي: وجاءكم الرسول ومعه كاتب الله ينذركم بالعقاب إن خالفتم أمره وتركتم طاعته.

والخلاصة: أنه احتج عليهم بأمرين: طول العمر، وإرسال الرسل.

قوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} معطوف (٢) على الجملة الاستفهامية؛ لأنه في معنى: قد عمرناكم، وجاءكم النذير من حيث إن همزة الإنكار إذا دخلت على حرف النفي أفادت التقرير، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) ...} الخ؛ لأنه في معنى: قد شرحنا إلخ.

والمراد بالنذير: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه جمهور المفسرين، كما قاله الواحدي، وقيل المراد: أيُّ رسولٍ كان؛ لأن الكلام مع الكفار على الإطلاق، وقيل ما معه من القرآن. وقيل: كمال العقل؛ لأنه فارق بين الخير والشر، أو موت الأقاوب


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.