فإن تك قد ساءتك منِّي خليقةٌ ... فسلِّي ثيابي من ثيابك تنسل
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جناس الاشتقاق بين {أَنْزَلْنا} و {مُنْزِلِينَ}.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {فَإِذا هُمْ خامِدُونَ} شبههم بالنار الخامدة، التي صارت رمادًا على حد قول لبيد:
وما المرء إلّا كالشِّهاب وضوئهِ ... يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع
شبهوا بالنار الخامدة رمزًا إلى أن الحي كالنار الساطعة في الحركة والالتهاب، والميت كالرماد.
ومنها: حكاية حال ماضية مستمرة في قوله: {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ}؛ أي: كانوا في الدنيا على الاستمرار يستهزئون بمن يأتيهم من الرسول من غاية الكبر.
ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا}.
ومنها: التنكير للتفخيم والتعظيم في قوله: {وَآيَةٌ لَهُمُ}؛ أي: آية عظيمة باهرة على قدرة الله.
ومنها: الطباق بين الموت والإحياء في قوله: {الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها}.
ومنها: الكناية في قوله: {وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} فإن الأيدي كناية عن القوة؛ لأن أقوى جوارح الإنسان في العمل يده، فصار ذكر اليد غالبًا في الكناية. ومثله قوله:{ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ}.
ومنها: فن التناسب في قوله: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} الآية، وهو أن يأتي المتكلم في أول كلامه بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة فحواه، لكونه مجملًا يحتاج إلى التفصيل. فقد أجمل الأزواج أولًا، ثم فصله بما بعده، فأحسن التفصيل والترتيب. فقد قدم سبحانه النبات، وانتقل على طريق