عليهم، بقوله:{وَمَا عَلَّمْناهُ}؛ أي: وما علمنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - {الشِّعْرَ} وليس القرآن بشعر. وهذا رد وإبطال لما كانوا يقولونه في حقه - صلى الله عليه وسلم -، من أنه شاعر، وما يقوله شعر.
والظاهر في الرد أن يقال (١): إنه ليس بشاعر، وأن ما يتلوه عليهم ليس بشعر، إلا أن عدم كونه شاعرًا، لما كان ملزومًا لعدم كون معلمه، علمه الشعر، نفي اللازم وأريد نفي الملزوم بطريق الكناية، التي هي أبلغ من التصريح. والشعر لغة: العلم الدقيق، واصطلاحًا: كلام مقفى، موزون على سبيل القصد والاختيار بأجزاء تفاعيل بحور العروضيين الستة عشر، فخرج بالقصد والاختيار ما كان وزنه اتفاقيًا، كآيات شريفة، اتفق جريان الوزن فيها، نحو قوله تعالى:{لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا}، وقوله:{وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ}، وقوله:{نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}. وكلمات نبوية، جاء الوزن فيها اتفاقًا، من غير قصد إليه وعزم عليه، نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - حين عثر في بعض الغزوات، فأصاب إصبعه حجر فدميت:
هل أنتِ إلّا إِصبعٌ دُميت ... وفي سبيلِ اللهِ مَا لقيت
وقوله يوم حنين حين نزل، ودعا، واستنصر أو يوم فتح مكة:
أَنَا النَّبيُّ لا كذب ... أَنَا ابْنُ عَبْد المُطَّلِبْ
{وَما يَنْبَغِي لَهُ}؛ أي: وما كان الشعر يليق به - صلى الله عليه وسلم - ولا يصلح له. وذلك لأن الشعر يدعو إلى تغيير المعنى، لمراعاة اللفظ والوزن. فالشارع يكون اللفظ منه تبعًا للمعنى، والشاعر يكون المعنى منه تبعًا للفظ. لأنه يقصد لفظًا يستقيم به وزن الشعر أو قافيته، فيحتاج إلى التحيل لمعنى يأتي به لأجل ذلك اللفظ. ولو صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام موزون مقفى، كما ذكر آنفًا لا يكون شعرًا لعدم قصده اللفظ، وإنما قصد المعنى، فجاء على تلك الألفاظ.