ومعنى قوله:{وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ}؛ أي: وما علمنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الشعر، بتعليم القرآن على معنى: أن القرآن ليس بشعر. فإن الشعر كلام متكلف موضوع، ومقال مزخرف مصنوع، منسوج على منوال الوزن والقافية، مبني على خيالات وأوهام واهية. فأين ذلك من التنزيل الجليل، الخطر، المنزه عن مماثلة كلام البشر، المشحون بفنون الحكم والأحكام الباهرة، الموصلة إلى سعادة الدنيا والآخرة. ومن أين اشتبه عليهم الشؤون، واختلط بهم الظنون، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
وفي الآية إشارة إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - معلم من عند الله تعالى؛ لأنه سبحانه علمه علوم الأولين والآخرين، وما علمه الشعر؛ لأن الشعر قرآن إبليس وكلامه؛ لأنه قال: رب اجعل لي قرآنًا، قال تعالى قرأنك الشعر. واعلم: أن الشعر محل للإجمال واللغز والتورية؛ أي: وما رمزنا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، ولا ألغزنا، ولا خاطبناه بشيءٍ، ونحن نريد شيئًا، ولا أجملنا له الخطاب، حيث لم يفهم، انتهى.
وفي «التأويلات النجمية»: يشير قوله: {وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ} إلى أن كل أقوال، وأعمال، وأحوال تجري على العباد في الظاهر والباطن، كلها تجري بتعليم الحق تعالى، حتى الحرف والصنائع. وذلك سر قوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}. وتعليمه الصنائع لعباده على ضربين: بواسطة وبغير واسطة. وأما بالواسطة: فبتعليم بعضهم بعضا، وأما بغير الواسطة، فكما علم داود عليه السلام، صنعة اللبوس. وكل حرفة وصنعة يعلمها الإنسان، من قريحته، بغير تعليم أحد، فهي من هذا القبيل، انتهى.
ومعنى قوله:{وَما يَنْبَغِي لَهُ}؛ أي: وما يصح لمحمد الشعر، ولا يتسهل ولا يتسخر، ولا يتأتى له لو طلبه؛ أي: جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر، لم يتأت له، ولم يكن لسانه يجري به إلا منكسرًا عن وزنه، بتقديم وتأخير أو نحو ذلك، كما جعلناه أميا لا يهتدي للخط، ولا يحسنه، ولا يحسن قراءة ما كتبه غيره، لتكون الحجة أثبت، وشبهة المرتابين في حقية رسالته أدحض. فإنه لو كان