أنزل قوله:{فَأَحْيَا بِهِ}؛ أي: بذلك الماء {الْأَرْضَ} وأنبتها، وأظهر نضارتها، وحسنها {بَعْدَ مَوْتِهَا} ويبسها وجدبها سماه: موتًا مجازًا؛ لأنها إذا لم تنبت شيئًا، ولم يصبها المطر .. فهي كالميتة، والمعنى: أحيا بهذا الماء الزروع والأشجار بعد أن كانت يابسة مجدبة ليس فيها حبوب ولا ثمار.
والآيات في ذلك: أنّ الله جعل الماء سببًا لحياة جميع الموجودات من حيوان ونبات، وأنه ينزله عند الحاجة إليه بمقدار المنفعة، وعند الاستسقاء، وينزله بمكان دون مكان.
والسابع منها: انتشار كل دابةٍ في الأرض، وذكره بقوله:{و} في {بث} وفرق {فِيهَا}؛ أي: في الأرض {مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ}؛ أي: من كل حيوان. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد كل ما دبّ على وجه الأرض من جميع الخلق من الناس وغيرهم، فقوله:{بث} إما معطوف على {أنزل} فتقدر {ما} الموصولة قبلها، فتكون الآيات حينئذ تسعة أنواع، أو معطوف على {أحيا}، فتكون الآيات ثمانية كما أشرنا إليه فيما مر، والآيات في ذلك: أن جنس الإنسان مثلًا يرجع إلى أصل واحد وهو آدم، مع ما فيهم من الاختلاف في الصور، والأشكال، والألوان والألسنة، والطبائع، والأخلاق، والأوصاف إلى غير ذلك، ثم يقاس على بني آدم سائر الحيوان.
والثامن منها: الريح وذكره بقوله: {يَعْقِلُونَ}؛ أي: وفي تقليب الرياح وتحويلها، وتوجيهها مرة جنوبًا ومرة من شمالًا، وباردةً وحارةً، ولينةً وعاصفةً.
والآيات فيها: أنها جسم لطيف لا يمسك ولا يرى؛ وهي مع ذلك في غاية القوة بحيث تقلع الشجر والصخر، وتخرب البنيان، وهي مع ذلك حياة الوجود، فلو أمسكها طرفة عين .. لمات كل ذي روح، وأنتن ما على وجه الأرض.
والنوع التاسع منها: السحاب وذكره بقوله: {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ}؛ أي: وفي الغيم المذلل لقدرة الله تعالى يسير {بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} بواسطة الرياح حيث شاء الله تعالى، وهو يحمل الماء الغزير، ثم يصبه على الأرض قطرات قطرات.