للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والآياتُ في السفن: جريانها على وجه الماء؛ وهي موقرة بالأثقال والرجال فلا ترسب (١)، وجريانها بالريح مقبلة ومدبرة، وتسخير البحر لحمل السفن، مع قوة سلطان الماء وهيجان الجر، فلا يُنجي منه إلا الله تعالى.

فدلالتها (٢) على الوحدانية يحتاج إلى معرفة طبيعة الماء، وقانون الثقل في الأجسام، وطبيعة الهواء والريح والبخار والكهرباء التي هي العمدة في سير السفن الكبرى في هذا العصر، وكل ذلك يجري على سنن مطردة تدل على أنها صادرة عن قوة بديعة النظام؛ هي قدرة الإله الواحد العليم كما قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ في الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ}.

النوع الخامس منها: ركوب السفن، والحمل عليها في التجارة. وذكره بقوله: {بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ}؛ أي: ينفعهم في أسفارهم وتجارتهم؛ فهي تحمل أصناف المتاجر من إقليم إلى إقليم، ومن قطر إلى قطر آخر، فتجعل العالم كله مشتركًا في المطاعم والمشارب والملابس وأصناف الأدوية وغيرها، والآيات في ذلك أن الله تعالى لو لم يقوِّ قلوب من يركب هذه السفن .. لما تم الغرض في تجاراتهم ومنافعهم، وأيضًا فإن الله تعالى خص كل قطر من أقطار العالم بشيء معين فصار ذلك سببًا يدعوهم إلى اقتحام الأخطار في الأسفار من ركوب السفن، وخوض البحر، وغير ذلك.

والنوع السادس منها: نزول المطر من السماء، وذكره بقوله: {و} في {مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ}؛ أي: من السحاب {مِنْ مَاءٍ}؛ أي: من المطر الذي به حياة البلاد والعباد، فـ {من} الأولى للابتداء، والثانية للبيان. قيل: أراد بالسماء السحاب، سُمي سماء لأن كل ما علاك فأظلك فهو سماء؛ لأنه خلق الله الماء في السحاب، ومنه ينزل إلى الأرض، وقيل: أراد السماء بعينها؛ لأنه خلق الله الماء في السماء، ومنه ينزل إلى السحاب، ثم منه إلى الأرض، ثم عطف على


(١) لا ترسب: أي لا تذهب سافلة إلى قاع البحر. اهـ.
(٢) مراغي.