للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال المراغي: الأنداد قسمان: قسم: يتخذ شارعًا، يؤخذ رأيه في التحليل والتحريم من غير أن يكون بلاغًا من الله ورسوله، وقسمٌ: يعتمد عليه في دفع المضار، وجلب المنافع من طريق السلطة الغيبية، لا من طريق الأسباب.

{يُحِبُّونَهُمْ}؛ أي: يود العابدون المعبودين، ويعظمونهم، ويخضعون لهم {كَحُبِّ اللهِ}؛ أي: يحبونم حبًّا كائنًا كحب الله؛ أي: كحبهم الله تعالى؛ أي: يسوون (١) بينه تعالى وبين الأصنام في الطاعة والتعظيم، ويتقربون إليهم كما يتقربون إليه تعالى إذ هم لا يرجون من الله شيئًا إلا وقد جعلوا لأندادهم ضربًا من التوسط الغيبي فيه، فهم مشركون بهذا الحب الذي لا يصدر من مؤمنٍ موحدٍ، وللمشركين أندادٌ متعددون وأرباب متفرقون، فإذا حزبه أمر، أو نزل به ضرٌّ .. لجأ إلى بشرٍ، أو حجر، فهو دائمًا مبلبل البال، لا يستقر من القلق على حال.

وقيل المعنى (٢): يحبون الأصنام كما يحب المؤمنون ربهم عز وجل، ومن قال بالقول الأول .. فقد أثبت للكفار محبةَ اللهِ تعالى، لكن جعلوا الأصنام شركاء له في الحب، ومن قال بالثاني .. لم يثبت للكفار محبةَ الله تعالى. {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}؛ أي: أكثر وأثبت وأدوم على محبتهم لله تعالى من الكفار لأصنامهم؛ لأنهم لا يختارون مع الله غيره والمشركون قد اتخذوا صنمًا، ثم رأوا آخر أحسن منه، طرحوا الأول واختاروا الثاني.

وقيل: إن الكفار يعدلون عن أصنامهم في الشدائد، ويقبلون إلى الله تعالى كما أخبر عنهم. {فَإِذَا رَكِبُوا في الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والمؤمنون لا يعدلون عن الله تعالى في السرّاء ولا في الضّراء، ولا في الشدة ولا في الرخاء.

وقيل: إن المؤمنين يوحدون ربهم، والكفار يعبدون أصنامًا كثيرة؛ فتنقص المحبة لصنم واحد، قال أبو حيان: والمفضل عليه محذوف؛ وهم المتخذون الأنداد، وهذه الجملة كالاستدراك (٣)؛ لما يفيده التشبيه من التساوي؛ أي: لكن


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.