وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} وضع الموصول موضع ضميرهم، للإشعار بعلية الصلة، لاستحقاق الويل.
ومنها: المقابلة بين المؤمنين والمفسدين، وبين المتقين والفجار في قوله: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)}. وهذه من ألطف أنواع البديع.
ومنها: التأكيد في قوله: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} للدلالة على أن اعترافه، وندمه عن صميم القلب، لا لتحقيق مضمون الخبر.
ومنها: إضمار ضمير الشمس في قوله: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} من غير سبق ذكرها، لدلالة العشي عليها، إذ لا شيء يتوارى حينئذ غيرها.
ومنها: الكناية في قوله: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ}. كني عن العقر والذبح بالمسح، وهي كناية بليغة.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ}. قال في «بحر العلوم»: والأقرب أن المراد: تمثيل كفهم ومنعهم عن الشرور، بالتقرين في الصفد، يعني: أن قولهم لا يمكن تقييدهم بالأصفاد، والأغلال، حقيقة مسلم، ولكن ليس الكلام محمولًا على حقيقته؛ لأنهم لما كانوا مسخرين مذللين لطاعته عليه السلام - بتسخير الله إياهم له - كان قادرًا على كفهم عن الإضرار بالخلق، فشبّه كفهم عن ذلك بالتقرين في الأصفاد، فأطلق على الكف المذكور لفظ التقرين استعارة أصلية، ثم اشتق من التقرين - يعني: المعنى المجازي - لفظ مقرنين بمعنى: ممنوعين عن الشرور. والإضرار استعارة تبعية، انتهى.
ومنها: الطباق بين {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}؛ لأنهما بمعنى: أعط من شئت، وامنع من شئت.