للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد بالسوق هنا: الإسراع بهم إلى دار الكرامة والرضوان، كما يفعل بمن يكرم من الوافدين على بعض الملوك، وبالسوق المتقدم: طردهم إلى العذاب والهوان، كما يفعل بالأسير إذا سيق إلى الحبس أو القتل، فشتان ما بين السوقين.

{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا}؛ أي: الجنة {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وقرأ الكوفيون: {وَفُتِحَتْ} بالتخفيف؛ أي: والحال أنه قد فتحت أبوابها الثمانية قبل مجيئهم؛ لئلا يصيبهم وصب الانتظار، مع أن دار الفرح والسرور لا تغلق للأضياف والوافدين باب الكرم، فـ {الواو}: واو الحال، وجواب {إذا} محذوف دل عليه السياق، والتقدير؛ أي: حتى إذا وصلوا إليها، وقد فتحت لهم أبوابها قبل مجيئهم، كما تفتح الخدم باب المنزل للضيف قبل قدومه، وتقف منتظرةً حضوره فرحًا بمقدمه، فرحوا بما أفاء الله به عليهم من النعيم، وبما شاهدوا مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

فإن قلت (١): يرد على كون أبواب الجنان مفتحةً لهم قبل مجيئهم إليها، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أول من يستفتح باب الجنة".

قلت: قد حصل الفتح المقدم على الوصول بدعوته - صلى الله عليه وسلم - الاستفتاح، ولو لم يكن دعاؤه قد سبق .. لما فتحت، ثم تبقى الأبواب بدعائه مفتوحةً ببركة دعائه المقدم على ذلك، وفي الحديث: "أنا أول من يقرع باب الجنة، والجنة محرمة على جميع الأمم، حتى أدخلها أنا وأمتي، الأول فالأول".

وقيل: تقدير الجواب: حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت أبوابها .. كان ما كان مما يقصر عنه البيان.

وفي "الخازن": فإن قلت (٢): قال في أهل النار: {فُتِحَتْ} بغير واو، وهنا زاد حرف {الواو} فما الفرق بين الموضعين؟

قلت: فيه وجوه:

أحدها: أنها زائدة عند الأخفش والكوفيين، وهو خطأ عند البصريين؛ لأن


(١) روح البيان.
(٢) الخازن. بزيادة وتصرف.