تارة على فعل، نحو كهل وصعب، وتارة على فاعل، والأولى ادعاء حذف الألف من البر، ومثله سرّ وقرّ وربّ، أي: سار وقار وراب.
وقرأ نافع وابن عامر:{ولكن} بسكون النون خفيفة، ورفع {البرُّ}، وقرأ الباقون بفتح النون مشددةً، ونصب {الْبِرَّ}، ومضمون الآية: أن البر لا يحصل باستقبال المشرق والمغرب، بل بمجموع هذه الأمور المذكورة في هذه الآية.
ومعنى الآية: ليس البر والخير العظيم الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة، ولكن البر العظيم الذي يجب الاهتمام به بر من آمن بالله فالمراد بالبر هنا الإيمان بالله، والتقوى من الله بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.
والحاصل: أن البر لا يحصل إلا عند مجموع أمور ثمانية.
أحدها: الإيمان بالله، وذكره بقوله:{مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}؛ أي: صَدَّق بوجوده، وقدمه وبقائه، وربوبيته وألوهيته، وسائر صفاته، وإنما قدم الإيمان بالله؛ لأنه أساس كل بر، فأهل الكتاب أخلُّوا بذلك؛ لأن اليهود تقول: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فالإيمان (١) بالله لا يكون إلا إذا كان متمكنًا من النفس مصحوبًا بالإذعان والخضوع، واطمئنان القلب بحيث لا تبطره نعمة، ولا تؤيسه نقمة كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)} والإيمان بالله يرفع النفوس عن الخضوع والاستعباد للرؤساء الذين استذلوا البشر بالسلطنة الدينية، ودعوى الوساطة عند الله ودعوى التشريع، والقول على الله بلا إذنه، فلا يرضى مؤمن أن يكون عبدًا ذليلًا لأحد من البشر، وإنما يخضع لله وشرعه.
وثانيها: الإيمان باليوم الآخر، وذكره بقوله:{وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}؛ أي: ولكن البرَّ برُّ مَنْ آمن باليوم الآخر؛ أي: صدق بمجيء يوم البعث والجزاء بعلم الموت