للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}؛ أي: محل ثواءٍ وإقامة أبّدت لهم بحيث لا خلاص لهم منها، فلا ينفعهم صبرهم.

وقيل المعنى (١): فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار .. فالنار مثوًى لهم. والالتفات (٢) فيه عن الخطاب إلى الغيبة؛ للإشعار بإبعادهم عن حيّز الخطاب، والإبقاء في غاية دركات النار {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا}؛ أي: يسألوا العتبى، وهو الرجوع إلى ما يُحبّونه جزءًا مما هم فيه .. {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}؛ أي: من المجابين إلى العتبى لأنهم لا يستحقون ذلك، فيكون صبرهم وجزعهم سواءً في أنّ شيئًا منهما لا يؤدّي إلى الخلاص، ونظيره قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}؛ أي: وإن يبدوا معاذير .. فلن تقبل منهم، ولا تقال لهم العثرات.

والمعنى (٣): وإن يطلبوا الرضى .. لم يقع الرضى عنهم، بل لابدّ لهم من النار.

وقرأ الجمهور: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} بفتح التحتية وكسر الفوقية الثانية مبنيًا للفاعل، وقرؤُوا: {مِنَ الْمُعْتَبِينَ} بفتح الفوقية اسم مفعول، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وموسى الأسواري وأبو العالية: {وإن يُستعتبوا} بضم التحتية مبنيًا للمفعول {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} اسم فاعل؛ أي: وإن طلب منهم أن يرضوا ربهم .. فما هم بفاعلين، ولا يكون ذلك منهم، لأنهم فارقوا الدنيا دار الأعمال، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس بعد الموت مستعتب" وقال أبو ذؤيب:

أَمِنَ الْمَنُوْنِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ ... وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

وقيل المعنى: أنهم إن أقالهم الله، وردهم إلى الدنيا .. لم يعملوا بطاعته كما في قوله سبحانه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}. وبعدما ختمت تفسير هذه الآية في اليوم السادس والعشرين من رمضان .. نمت وقت الضحوة قبيل الظهر، ورأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك النومة، كأني من مقدمة جيشه من فرسانهم، وأردت إدراك واحد من العدو شرد منا، وأجريت فرسي وراءَهُ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يجري فرسه معي، وقربت


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.