للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلتَ: كيف شبه الصبح الصادق بالخيط والخيط مستطيل، والصبح الصادق ليس بمستطيل؟

قلت: إن القدر الذي يبدو من البياض؛ وهو أول الصبح يكون رقيقًا صغيرًا ثم ينتشر؛ فلهذا شبه بالخيط، والفرق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب: أن الفجر الكاذب يبدو في الأفق فيرتفع مستطيلًا، ثم يضمحل ويذهب، ثم يبدو الفجر الصادق بعده منتشرًا في الأفق مستطيرًا.

وروى مسلم عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا". وحكاه حماد بيديه. قال: يعني معترضًا. وفي رواية الترمذي: "لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق".

فإذا تحقق طلوع الفجر الثاني وهو الصادق .. حرم على الصائم الطعام والشراب، والجماع إلى غروب الشمس، وهو قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}؛ أي: ثم بعد تبين الفجر الصادق أتموا الصيام والإمساك عن المفطرات في جميع النهار إلى دخول أول الليل بغروب الشمس، وهذا أمر إيجابٍ في صوم الفرض، وبيان لآخر وقت الصوم، ولإخراج الليل عنه، فينتفي صوم الوصال، ولمّا بين الله تعالى أن الجماع يحرم على الصائم نهارًا، ويباح ليلًا، فكان يحتمل أن حكم الاعتكاف كذلك؛ لأنه يشارك الصوم في غالب أحكامه .. بين الله بتحريمه على المعتكف ليلًا ونهارًا بقوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ}؛ أي: لا تجامعوهن ليلًا ولا نهارًا {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ}؛ أي: ماكثون {فِي الْمَسَاجِدِ} بنية الاعتكاف للتقرب إلى الله تعالى، ولا تقربوهن ما دمتم معتكفين فيها ليلًا ونهارًا حتى تفرغوا من الاعتكاف. {تِلْكَ} الأحكام المذكورة في آيات الصيام من أولها إلى هنا {حُدُودُ اللَّهِ}؛ أي: أوامره وزواجره، وأحكامه التي شرعها لكم؛ فلا تخالفوا الأوامر منها ولَا تَقْرَبُوا الزواجر والممنوعات منها؛ أي: من تلك الحدود كالأكل والشرب والجماع في الصوم، والمباشرة في حال الاعتكاف،