قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (١) في الآية السالفة أن الذي دعا الكفار إلى اعتناق العقائد الزائغة، هو تقليد الآباء والأجداد، وبين أنه طريق باطل ونهج فاسد، وأن الرجوع إلى الدليل أولى من التقليد .. أردف هذا بأن ذكر لهم أن أشرف آبائهم، وهو إبراهيم عليه السلام، ترك دين الآباء، وحكم بأن اتباع الدليل أولى من متابعتهم، فيجب عليكم تقليده، وحين عدل عن طريق آبائه، جعل الله دينه باقيًا في عقبه إلى يوم القيامة، وأديان آبائه درست وبطلت.
ثم ذكر أن قريشًا وآباءهم مدَّ لهم في العمر والنعمة، فاغتروا بذلك واتبعوا الشهوات، وأعرضوا عن توحيد الله تعالى، وشكره على آلائه، حتى جاءهم الرسول منبهًا لهم، مذكرًا بالنظر إلى من فطرهم وفطر السموات والأرض، وآتاهم من فضله ما يتمتعون به من زينة هذه الحياة، فكذبوه وقالوا: ساحر كذاب، ثم حكى عنهم، قالوا: هلا نزل هذا القرآن على رجل عظيم الجاه، كثير المال، من إحدى القريتين، مكة والطائف، فرد عليهم مقالهم، بأنه قسم الحظوظ الدنيوية بين عباده، فجعل منهم الغني والفقير، والسيد والمسود، والملوك والسوقة، والأقوياء والضعفاء، ولم يغير أحد ما حكم به في أحوال دنياهم على حقارتها، فكيف يعترضون على حكمه فيما هو أرفع درجةً وأشرف غايةً وأعظم مرتبةً وهو منصب النبوة.
ثم ذكر أن التفاوت في شؤون الدنيا هو الذي يتم به نظام المجتمع، والسير به على النهج القويم، فلولاه ما صرف بعضهم بعضًا في حوائجه، ولا تعاونوا في تسهيل وسائل المعيشة، ثم أعقب هذا ببيان أنه لولا أن يرغب الناس في الكفر، إذا رأوا الكفار في سعة من الرزق، لمتعهم بكل وسائل النعيم، فجعل لبيوتهم