والممات، فالمحسنون مرحومون في الحالين، ومجترحوا السيئات مرحومون في الدنيا فحسب، ثم ذكر الدليل على هذا، بأن الله ما خلق الخلق إلا بالحق، المقتضي للعدل أو الانتصاف للمظلوم من الظالم، والتفاوت بين المحسن والمسيء في الجزاء، وإذا لم يكن هذا في المحيا كان في دار الجزاء حتمًا، لتجزي كل نفس بما كسبت فلا تظلم بنقص ثواب، أو بمضاعفة عقاب، ثم عجيب سبحانه ممن ركب رأسه واتبع هواه وترك الهدى، وأضله الله وهو العليم باستعداده وخبث طويته، وأنه ممن يميل إلى تدسية نفسه، واجتراح الآثام والمعاصي، فهو ممن ختم الله على سمعه وقلبه، فلا يتأثر بعظة، ولا يفكر في آية، وجعل على بصره غشاوة مانعة من الاستبصار والاعتبار، فمن بعد الله يهديه أفلا تتذكرون، وتتفكرون في هذا.
قوله تعالى:{مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن المشركين قد اتخذوا إلههم هواهم، وأن الله سبحانه، قد أضلهم على علم بحالهم، وأنه ختم على سمعهم وقلبهم، وجعل على بصرهم غشاوة .. ذكر هنا جنايةً أخرى من جناياتهم، وحماقةً من حماقاتهم تلك، أنهم أنكروا البعث، وقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر، وما ذلك منهم إلا ظنون وأوهام، لا مستند لها من نقل ولا عقل، ولم يجدوا حجةً يقولونها إلا أن قالوا: إن كان ما تقوله حقًا، فأرجعوا آباءنا الموتى إلى الحياة، فأمر الله رسوله أن يجيبهم، بأنه هو الذي يحييهم ثم يميتهم، ثم يجمعهم في يوم لا شك فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة ذلك.
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (١)، لما أثبت فيما سلف، أنه قادر على الإحياء مرة ثانية، كما قدر على ذلك في المرة