للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مصدق لما بين يديه، أنزل بلسان عربي مبين؛ لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالإشراك وهم كفار مكة. وقوله: {وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} في حيّز النصب عطفًا على محل {لِيُنْذِرَ}؛ لأنه مفعول له؛ أي: أنزل بلسان عربي لينذر الظالمين بعبادة الأصنام من عذاب الله سبحانه، وليبشّر المحسنين بالإيمان والعمل الصالح بالجنة، وبرضوان الله تعالى. وقال الزجاج: الأجود أن يكون في محل رفع؛ أي: وهو {بشرى للمحسنين} وقوله: {لِلْمُحْسِنِينَ} متعلق بـ {بشرى}.

ومن الظالمين (١): اليهود والنصارى، فإنهم قالوا: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وغيّروا ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونعته في التوراة والإنجيل، وحرّفوا الكلم عن مواضعه، فكان - صلى الله عليه وسلم - نذيرًا لهم، وبشيرًا للذين آمنوا بجميع الأنيياء والكتب المنزلة، وهدوا إلى الصراط المستقيم، وثبتوا على الدين القويم.

والخلاصة: كيف يكون إفكًا قديمًا وهو مصدق لكتاب موسى الذي تعترفون بصدقه، وهو بلسان عربيّ، والتوراة بلسان عبريّ؟ فتصديق الأول للثاني مع اختلاف لغتهما دليل على اتحادهما صدقًا، فبطل كونه إفكًا قديمًا، وثبت له الصدق القديم.

ومجمل معنى الآية (٢): أي ومما يدلّ على أنّ القرآن حق وصدق، وأنه من عند الله ... اعترافكم بإنزال الله التوراة على موسى الذي هو إمام وقدوة يقتدى به في الدين، وهو رحمة لمن آمن به، وهذا القرآن الموافق للتوارة في أصول الشرائع مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب الإلهية المتقدمة، أنزله الله حال كونه بلغة عربية واضحة فصيحة، يفهمونها، من أجل أن ينذر به هذا النبي الكريم من عذاب الله الذين ظلموا أنفسهم، وهم مشركوا مكة، ويبشّر به المؤمنين الذين أحسنوا عملًا، فهو مشتمل على النذارة للكافرين، والبشارة للمؤمنين، وهو ليس إفكًا قديمًا كما يزعمون، بدليل توافقه مع التوراة.


(١) روح البيان.
(٢) التفسير المنير.