{قَالَ} ذلك الإنسان {رَبِّ} ـي، ويا مالك أمري {أَوْزِعْنِي}؛ أي: وَفَّقْني، وألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ} بها {عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} من نعمة الهداية إلى الدين الحق والتوحيد وغير ذلك من نعم الدنيا، كسلامة العقل والصحة والعافية، وسعة العيش وتمام الخلقة السوية، وحنان الأبوين حين ربيّاني صغيرًا، وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه؛ لأن النعمة عليهما نعمة عليه.
وقوله:{وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}: معطوف (١) على قوله: {أَنْ أَشْكُرَ}؛ أي: ألهمني ووفّقني للعمل الصالح في ترضاه منّي، والعمل الصالح المرضي: هو ما يكون سالمًا من شوائب عدم القبول. وفيه إشارةٌ إلى أنه لا يمكن للعبد أن يعمل عملًا يرضي به ربه إلا بتوفيقه وإرشاده {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}؛ أي: واجعل الصلاح ساريًا في ذريتي، متمكنًا من نفوسهم، راسخًا في قلوبهم؛ أي: اجعل ذرّيتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه. وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات. وأصل {أصلح}: يتعدى بنفسه كما في قوله: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}، وإنما عدي هنا بالحرف {في}؛ لإفادة الرسوخ والسريان. قال سهلٌ: اجعلهم لي خلف صدق، ولك عبيدا حقًا. وقال محمد بن عليّ: لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلًا. وفيه إشارة إلى أنَّ صلاحية الآباء تورث صلاحية الأبناء {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ} من ذنوبي التي فُرِّطت منى في أيامي الخوالي {وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}؛ أي: من الخاضعين لك بالطاعة، المستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك.
قال ابن كثير: وهذا فيه إرشادٌ لمن بلغ الأربعين أن يجدّد التوبة والإنابة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ويعزم عليها. وقد روى أبو داود في "سننه" عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلّمهم أن يقولوا في التشهد: "اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى