حال المبايعين، الذين ذكرهم فيما تقدم بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} فأبان رضاه عنهم؛ لأجل تلك البيعة، لما علم من صدق إيمانهم، وإخلاصهم في بيعتهم، وأنزل عليهم طمأنينة ورباطة جاش، وجازاهم بمغانم كثيرة أخذوها من خيبر بعد عودتهم من الحديبية، وكان الله عزيزًا؛ أي: غالبًا على أمره، موجدًا أفعاله وأقواله على مقتضى الحكمة.
قوله تعالى:{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا (١) وعدهم فيما سلف بمغانم خيبر .. أردف ذلك ببيان: أنّ ما آتاهم من الفتح والمغانم، ليس هو الثواب وحده، بل الجزاء أمامهم، وإنّما عجّل لهم هذه؛ لتكون علامة على صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - وحياطته له، وحراسته للمؤمنين، وليثبتكم على الإِسلام، وليزيديكم بصيرةً، وسيؤتيكم مغانم أخرى من فارس والروم، وغيرهما ما كنتم تقدرون عليها لولا الإِسلام، فقد كانت بلاد العرب شبه مسستعمرات لهذه الدول، فأقدرهم الله تعالى عليها بعزّ الإِسلام.
ثم ذكر أنه لو قاتلكم أهل مكة، ولم يصالحوكم .. لانهزموا ولم يجدوا وليًّا ولا نصيرًا يدافع عنهم، وتلك هي سنة الله تعالى من غلبة المؤمنين، وخذلان الكافرين، ثمّ امتن على عباده المؤمنين أنه كفَّ أيدي المشركين عنهم، فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين عن المشركين، فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، فصان كلًا من الفريقين عن الآخر، وأوجد صلحًا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا بيَّن فيما سلف أنّ الله كفّ أيدى المؤمنين عن الكافرين، وكفّ أيدي الكافرين عن المؤمنين .. عيَّن هنا مكان الكفّ، وهو البيت الحرام، الذي صدّوا المؤمنين